شعار قسم مدونات

كلّما نظرتِ للمِرآة.. ماذا ترين؟

blogs - mirror
كثيرًا ما نرى نحنُ النساء أنّنا لسنا جيدين بما فيه الكفاية، لسنا ذكيّاتٍ كفاية، جميلاتٍ كفاية، طويلات كفاية. لو كانت بشرتُنا سمراء.. نحاول تبييضها، لو كان شعرُنا مجعدًا.. نحاول تنعيمه. ننظر إلى المرآة كل يومٍ عشراتِ المرات، ونوجِّه لأنفسنا كلمات وأحكام يستحيلُ أن نوجِّهها لغيرنا لقسوتِها، نجرح أنفسنا بكلماتنا نحن! نشكّك بأنفسنا، نقلل قيمتها وننتقدها.

ومعظم تلك الأحكام صادرة اعتمادًا على مظهرنا أو شكلنا الخارجي أو حتى وزننا! نظنُّ لو كنَّا أكثر نحافة، أطول، التجاعيدَ في وجهنا أقل… سيكون إحساسنا تجاه أنفسنا أفضل، سنكون أكثرَ قوة، محبوباتٍ أكثر، وسنصبح بالتبعية أكثر نجاحًا. لذلك نحاول جاهدات أن نُصلح ما يفسد دواخلنا: ربما باتباع حمية قاسية، بإجراء عملية تجميل للأنف، توصيل شعر، استخدام مضادات تجاعيد باهظة الثمن…! ننفق مالًا ووقتًا لتغيير أجسامنا وتجميلها لتناسب فكرةٍ ما عن "الجمال المثالي".

إنّ نسبة كبيرة من حُكمنا على جمال الشئ أو عدمه نابع عن آرائنا وتجاربنا الشخصية، وكما يقول المثل: (الجمال في عين الناظر)، أي كما تراه أنت!

كيف لِصراعنا الداخلي مع شخصيتنا واحترامنا لذاتنا يُترجم مباشرةً إلى قلقٍ عن وزنٍ أو شكل أو مظهرٍ خارجي؟! تَعزي البروفيسورة سينثيا بوليك الباحثة في الطب النفسي ذلك إلى مجتمعٍ يقودُنا للخلط بين احترام الذات واحترام الجسد. فبينما احترام الذات Self-esteem يمثِّل كيف تفكر أو تشعر تجاه نفسك ككل (شخصيتك، علاقاتك، إنجازاتك، أخلاقك، قيمك…) وأي شئٍ له علاقة بكونكِ إنسان. بينما احترام الجسد Body-esteem يمثل تفكيركِ أو شعوركِ تجاه جسدك (مقاسكِ، شكلكِ، شعركِ…) وكل ماله علاقة بمظهرك المادّي. وبينما يمثّل احترام الجسد فرع من فروع احترام الذات، إلا أنه كثيرًا ما يتفوق ويطغى على احترام الذات بل ويصبح هو البعد الأساسي والوحيد للمرأة لتقيِّم قيمتَها واستحقاقها الذاتي Self-worth.

على مدار اليوم، العديد من الوسائل والأدوات حول المرأة تذكّرها بمعايير الجمال المثالية التي عليها أن تصل لها، مثل آلاف الإعلانات التي تُشجّع على ترويج تلك الصورة بعيدة المنال للنساء من جميع الأعمار والأشكال والأحجام. وللأسف أن المبالغة في انتشار تلك الوسائل (Beauty Industry) وهي تشمل الإعلانات التي لها علاقة بالجمال، مبيعات مستحضرات التجميل والعطور والعناية بالبشرة والشعر، صالونات التجميل والمنتجعات الصحية، الجراحات التجميلة… وغيرها تؤثر سلبًا على احترام الذات واحترام الجسد ومنظور الجمال لدى النساء، من خلال إدخال المرأة نفسها في مقارناتٍ دائمة مع أي صورة وفكرة جديدة عن الجمال يَعرِضها المجتمع حولُها.

"الجَمال" موضوع يصعُب فهمه وتعريفه لأنه يُرى بوجهات نظرٍ متعددة ومرتبط بثقافات وأعراف اجتماعية عديدة، كما أنّ نسبة كبيرة من حُكمنا على جمال الشئ أو عدمه نابع عن آرائنا وتجاربنا الشخصية، وكما يقول المثل: (الجمال في عين الناظر)، أي كما تراه أنت!.. يُقدَّم الجمال في السينما، الأفلام، الإعلانات والمجلات على هيئة صور يتم تفسيرها من قِبَل المستهلِك أو المُشاهِد.

نقضي الكثير من الوقت نحلّل ونحاول إصلاح الأشياء التي تنقصنا، بينما يجب أن نقضي وقتًا أطول لتقدير الأشياء التي نمتلكها أو نحبها..

والمشكلة أنّه سواء قد تم استهلاك هذا المنتج أم لا، فقد حاز على انتباه الجمهور، وتمّ تفسير جَماله كجَمالٍ موضوعيٍّ مُطلق ويجب أن يُحتذى به. ولذلك كثيرًا ما يتم التلاعب بمشاعر النساء من خلال تكوين الشركات لصور خادعة ونتائج سيصلنَ إليها لو استعملنَ منتَجا ما أو قمن بعمل شئ ما. ممّا يسبب لهنّ أحاسيسَ القلق، تقليل احترام الذات، وتقليل الثقة بالنفس والتي تنبع من تحولهنَّ بعد رؤية تلك الصور إلى نساء غير سعيداتٍ وغير راضياتٍ عن أنفسهن أو مظهرهن.

هذا التأثير السلبي يرجع سببه إلى إعطاء قيمة للمرأة بناءً على شكلها الخارجي ومظهرها بدلًا عن أيّ عمل أو مساهمة تقوم بها تجاه عائلتها أو مجتمعها. مما يجعلها تشعر أنّه من أجل أن تنجح في أمرٍ ما يجبْ أن تتماشى مع تلك الفكرة الضّيقة السطحية، وهذا يقودها لوضع مقاييسٍ مُكلِّفة، غير طبيعية، وغير صحيّة لتحقق تلك الفكرة. إلا أنها تتناسى أن الفكرة المثالية عن الجمال Ideal Beauty قد تقودُ لاضطرابات في الأكل، مشاكل في الصحة العقلية، تشويه للجسم… وغيرها الكثير، فنتناسى أنّ عارضة الأزياء مثلًا، في مقابل أنها تمتلك جسم "مثالي" _كما يظنّ البعض_ معرّضة لأخطار لاتُعد ولا تُحصى والتي قد تصل للوفاة!

كل ماسبق لايعني إطلاقًا أنّه من الخطأ أن تعتني المرأة بنفسها وصحتها ومظهرها الخارجي، بل الخطأ المدمِّر هو أن تكون تلك هي الوسيلة الوحيدة لنجاحها كامرأة، لتشعر باحترام ذاتها، لتمتلك ثقةً بالنفس وتشعر بالسعادة! فالمرأة التي تضع صورة إيجابية وتَصوُّر عقلي سليم لِما يجب أن يكون عليه مظهرها أو شكلها، فمن الأرجح أن تكون أسعد وتتمع بحياة كاملة صحية. فمثلًا الجسم الصحي لا يعني دائمًا أن يكون نحيفًا، بل أن يكون مناسبًا Fit، فلو اتّبعت المرأة حِمية غذائية متوازنة وصحية، ومارست الرياضة ثلاث مرات في الأسبوع، فذلك كاف للحد من أي أمراض متعلقة باضطراب التشوه الجسدي لديها BBD.

نتناسى أنّ عارضة الأزياء مثلًا، في مقابل أنها تمتلك جسم "مثالي" – كما يظنّ البعض – معرّضة لأخطار لاتُعد ولا تُحصى والتي قد تصل للوفاة!

وإلى أن يُدرك من حولُنا أنّ الجمال لا يتمثّل بفئة من المقاييس والمعايير المحددة، وأن النّجاح والسعادة ليسا مشروطين بتحقيق تلك المعايير، وأن مشاعر النساء، واحترامها لذاتها وثقتها بنفسها لا يمكن تحويلها لشيئيّات يتم ترويجها والمتاجرة بها. إلى أن يحين ذلك، علينا أن نستيقظ كل صباح، ننظر لأنفسنا في المرآة، ونُذكِّر تلك المرأة التي نراها بأنها أجمل مما تظن، وأنها ما كانت لتكون أجمل مما ترى…

نقضي الكثير من الوقت نحلّل ونحاول إصلاح الأشياء التي تنقصنا، بينما يجب أن نقضي وقتًا أطول لتقدير الأشياء التي نمتلكها أو نحبها.. نُصاب بالإحباط بتسليط الضوء على الحياة الرائعة للآخرين، لكنّنا ننسى أنْ نسلط الضوء على حياتنا الرائعة. كل ما نراه هو خلف كواليس حياتنا، نرى شكوكنا، خوفنا، قلقنا… أنتِ الوحيدة الموجودة داخل عقلك، تشعرين بكل مخاوفك والأصوات التي تخبرك بأنك لست مَن تريدين أن تكوني، وبينما قد يُهين الناس بعضهم البعض، لا يوجد صوت أكثر إهانة من صوتنا تجاه أنفسنا..

كل يوم تنظرين لنفسك في المرآة ويخبرك عقلك بكل الأمور التي لا تمتلكيها: لستِ رائعة بما فيه الكفاية، لا تَحظي بشعبيّة كبيرة، لستِ مميزة، لست مُتفرّدة عن غيرك… هذه ليست الأمور التي تُمثّلك، أنتِ لا تُمثّلي رأي شخصٍ ما عنك.. (أنتِ تمثلين فقط تعريفك الخاص للجمال والاستحقاق!)…

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.