شعار قسم مدونات

فرصة

blogs - aiming
 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، في تقاطعات الحياة، تتعدد الفرص التي تلوح بين الفينة والأخرى في مسيرة العمر وعلى مسرح الأيام، وتتنوع خامات الناس وأساليب الفهم وتكوين الشخصيات، بين من يخوض غمار التجارب إلى من يؤثر السلامة، وثالث بين هذا وذاك.
 
وهذه الفرص التي نتكلم عنها قد تكون مشاريع تجارية، أو دعوية، سياسية أو علمية، أو حتى تجارب شخصية، وهوايات نفسية، ومع الإيمان بأن لكل فرد قدراته وطبيعته، إلا أن هناك جوانب هامة ينبغي أن نسعى إلى إدراكها، والنظر من خلالها إلى نافذة الحياة، لتحديد أفضل السبل، واختيار أنجع الطرق، لصيد الفرص، واقتناص النجاح، ومصافحة العلياء.

الفُرْصَةُ لغة:
الفُرْصَةُ: النَّوْبَةُ تكونُ بين القَوْمِ يَتَناوبُونَها على الماء، والجمع: فُرَصٌ. يقال: جاءَتْ فُرْصَتُكَ من البئر: نوْبتك. وجاءت فُرْصَتُكَ مِنَ السَّقي: سَاعَتُكَ وَوَقْتُك الذي تَسْتَقِي فيه. ويقال: انتهَزَ فلانٌ الفُرْصَة: اغْتَنَمها، وفَازَ بها. والفُرْصَةُ مِنَ الفَرَس: سَبْقُهُ وسجيَّتُهُ وقُوَّتُهُ.

لقد مرت فرص كثيرة على أبي بكر الصديق رضي الله عنه فكان صاحب زمام المبادرة، حتى دعي من أبواب الجنة الثمانية، ومرت فرص كثيرة على عبدالله بن أبي بن سلول  لكنه مات منافقا!

إنها أوقات تمر فيها مجموعة من الظروف التي تتطلب اتخاذ قرارات سليمة، لنيل المنى وبلوغ الأهداف، ولاشك أن أعظم فرصة لنا في هذه الدنيا هي منحة الوجود الذي أنعم الله عز وجل به علينا بعد إن كنا عدما، ثم أقام سوق الجنة والنار، وأرسل إلينا الرسل وأنزل معهم الكتب، فيا سعادة الموفقين، بإذن رب العالمين.

إن الفرص الاستثمارية، والوظيفية، والتجارية، والدراسية، والدعوية، والإيمانية، بل حتى الخواطر وكتابة الشعر، قد تمر أحيانا بسرعة وكأنها تسابق الوقت، وقد تحط رحالها لفترة ثم ترحل، والفرص دائما تتجدد ولا تنقطع، لكن يا ترى، من ذا الذي يحسن اقتناصها؟ ومن ذا الذي يخطب ودها، ويدفع مهرها؟

هل أنت ممن إذا لاحت الفرصة بادرتها بناء على خطة أعددتها؟ أم أنك ممن إذا أقبلت أخذ يفحصها قبل قبولها؟ أم أنك مغامر يهوى ركوب أمواج التحديات؟ أم هي فتوحات تحب أن ترمي في كل منها بسهم، وتدخل منها على الله من كل أبواب الجنة الثمانية؟ إنها أسئلة تحكي لك طبائع الناس في التعامل مع الفرص، ولست في مقام الحكم عليها ومقارنتها، بل لكل وجه هو موليها، وإنما المقصود هو أن نحسن التعامل، ونتقن الأداء، ونعيد التقييم، ونتابع المسير.

لقد عجنت التجارب أقواما حتى أخرجت منهم ينابيع الحكم، وقد أفسد الترف آخرين، حتى أخمد الكسل ما فيهم من خير وبركات، فخذ ما آتاك الله من قدرات فردية وكن من الشاكرين. لا بأس من التخطيط، والتعاون مع الآخرين، ولابد من سرعة البديهة، والموازنة بين الإقدام والإحجام، ولن أقترح عليك من أي صنف تكون، فلعل مغامرة واحدة مع مخاطرة مدروسة تقفز بك إلى مصاف العظماء، وفي المقابل، لعل التركيز في شيء واحد مع الصبر والمثابرة، وبدون مخاطرة، يصل بك إلى ساحة الفوز قبل المتعجلين، وتلك هي الحياة.

لقد عجنت التجارب أقواما حتى أخرجت منهم ينابيع الحكم، وقد أفسد الترف آخرين، حتى أخمد الكسل ما فيهم من خير وبركات، فخذ ما آتاك الله من قدرات فردية وكن من الشاكرين.

انظر إلى ذلك الجدول الذي ينزل من أعلى الجبل ينحني تارة، ويمتد تارة، وكأنه يراقص الصخور، ويلاطف الأشجار حتى يصل إلى هدفه ويسكب نفسه في الوادي، واستفد من مخلوقات الله في الكون، من مثابرة النمل، إلى إتقان النحل، وتأمل في تنوع الثمار، وفي تكوير الليل والنهار. بعض الناس كلما لاحت له فرصة طردها، والبعض كلما فاتته فرصة ندبها، فلا هذا أصاب، ولا ذاك لمتقضى النجاح استجاب، وبالله التوفيق وهو الكريم الفتاح التواب.

لقد مرت فرص كثيرة على أبي بكر الصديق رضي الله عنه فكان صاحب زمام المبادرة، حتى دعي من أبواب الجنة الثمانية، نسأل الله تعالى من فضله، ومرت فرص كثيرة على عبدالله بن أبي بن سلول حتى كان يصافح وجه النبي صلى الله عليه وسلم كل يوم ويستمع إليه، لكنه مات منافقا، نسأل الله السلامة.

ولو تأملنا في كثير من التجارب الناجحة لكبار رجال الأعمال، وفي سير الناجحين، لربما لاحت لنا مشاهد النجاح، وأعلام الوصول. وفقني الله وإياكم لما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.