شعار قسم مدونات

رقعة الشطرنج العربية

blogs - شطرنج
الحفاة العراة الذين يسيرون بعيدًا عن الموصل يعيدون أمجادنا التليدة وذكرياتنا السعيدة حينما تقاسمنا أرضنا مع قادة الصليبيين إبان انكسار بني عثمان. والعالم الذي ضحك علينا بمجلسه الموقر ومنظماته المحترمة ينظّم هذه العملية ويضع لها الإطار الرسمي بعد أن بادلنا الابتسامات الشاحبة ثم ربت على أكتافنا قائلًا لا بد من تحقيق متطلبات الإنسانية حتى تجدوا لكم موضع قدم!

ماذا عساني أقول؟ في عهد الصبا كنت أنطلق بسرعة لما يسمونه (المقصف) في المدرسة علني آخذ مكانًا متميزًا في الطابور، ثم أقبض على حصتي من البائع مثل بقية الصغار وآكل ما حصلت عليه أيًّا كان. المهم أن أحصل على ما يسد به الرمق.. وفي حالة الرفاه نختم الوجبة (ببطاطس ليز) وهو يشكل مزيّة من مزايا الأثرياء في المدرسة، حيث يشبه تناول حلوى (أم علي) بعد البوفيه المفتوح.

المهم وبعد أن ينتهي الوقت المحدد للإفطار أُلقي بنظرة خاطفة من شباك تلك الحجرة والتي كانت قبل لحظات مليئة بأصناف الأطعمة والمشروبات، لقد خلا فيضها وقل رزقها وأصبحت قاعًا صفصفا تلوح بها بواقي الأغلفة وتكتض زواياها بفوارغ الحاويات، وما زلت أرى تلك الصورة حدثًا مهمًا في الحياة فقد كَبِرت وكَبُرت معي تلك الصورة، لم أستوعبها بوعي بل ظلت كخلفية مهمة أراها دون أن أعلم أنها اليوم أضحت إطارًا عامًا لصراعات الأمم.فحتى الأمم تطلق سيقانها للريح لنيل قصعتها من الدول المتهاوية، كما كنّا نتسابق لنيل إفطارنا من تلك الحجرة الضيقة.

لن تتحمل كتب التاريخ كل هذا السواد.. سوادنا كُتب بالكتب وجاوزها إلى البر والبحر حتى ضاق بها الناس ذرعًا.. أما آن لهذا السواد أن يتوقف.. أما تكفي بطولتنا بالحجارة.

أجاب أحد السياسيين عن سؤال، لسائل يسأل عن علاقات الدول فيما بينها، فقال إذا أردت أن تعرف ذلك؛ فقف عند مدرسة ابتدائية أثناء خروج التلاميذ وانظر لعلاقات الطلاب مع بعضهم البعض، ستشعر لحظتها أنك في مجلس الأمن (الخائب) وليس أمام أبواب مدرسة في حي من أحياء مدينة الرياض. فهل بني التفكير الإنساني على أحداث صغرى تنسجم مع حياته البسيطة، ثم تكبر مع سعة إدراكه وحاجاته دون تغيّر في الإطار؟

لا تهمكم الأنظمة التي تتقيّأ بها الدول فالأطماع الإنسانية جزء طبيعي من حياة البشر مهما غُلفت برونق العبارة وجمال التعبير، والدساتير التي تضع في مقدماتها حقوق الضعفاء ليست إلا جزءا من تلك الأنظمة، وإليك إحدى المواد في نص الدستور السوري تقول:
(الحرية حق مقدس، والسيادة للشعب، ولكل مواطن حق الإسهام في الحياة السياسية، وتكفل الدولة للمواطنين حريتهم وكرامتهم، ولا يجوز تعذيب أحد، جسدياً أو معنوياً، أو معاملته معاملة مُهينة، والمساكن مصونة، لا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بحسب القانون، ويصبح المرشح رئيساً للجمهورية بحصوله على الأكثرية المطلقة) دستور الجمهورية العربية السورية، المواد: 2، 25، 26، 28، 31، 84.

لك أن تضحك حتى تستلقي، ولكن إياك أن تصدق. وحتى تتجلى عنك حالة الفزع من دستور الهالك بشار، إليك نص من دستور المعتوه علي عبدالله صالح:

(الشعب مالك السلطة، ولكل مواطن الحق في الإسهام في الحياة السياسية، وللمواطن حق الانتخاب والترشيح، وتداول السلطة سلمياً، ولا يجوز لأي شخص تولي منصب الرئيس لأكثر من دورتين، والقضاء سلطة مستقلة، وتؤكد الدولة العمل بحقوق الإنسان، والثروات الطبيعية تستغل للمصلحة العامة) دستور الجمهورية اليمنية، المواد:4، 5، 6، 8، 42، 43، 112، 149.

تمالك نفسك ولا تأخذ الموضوع بجدية حافظًا على صحتك، فهؤلاء هم مهرجوا الأمة التي ضحكت من جهلها الأمم… لا ندري من أين نبدأ وأين ننتهي؟

نعود لقصتنا الدامية.. يحيط بالموصل من جميع أبوابها بشرًا من كل عرق ولون، وتغطيها قتامة الغبار التي تثيرها حركة الجنود القادمة ومعدات الحرب النازلة. أيعني هذا أننا ما زلنا قصعة العالم؟ ألم نكن قصعتهم يوم أن عاثت بنا سايسبيكو؟ لقرون ونحن قصعة الأمم! إلى متى؟!

هل هناك من يتحمل ضياعا آخر أشد مرارة من ذي قبل، إن سايس بيكو حاضرة بشكلها الماضي، ولكن بخطة عصرية مبتكرة، فكيف سينتهي بها الحال؟

لن تتحمل كتب التاريخ كل هذا السواد.. سوادنا كُتب بالكتب وجاوزها إلى البر والبحر حتى ضاق بها الناس ذرعًا.. أما آن لهذا السواد أن يتوقف.. أما تكفي بطولتنا بالحجارة… حتى نصبح أبطالًا للمخيمات!
لقد سُلمت هذه المدينة (الموصل) للعالم وأعلن بيعها بالمزاد الخاسر وبالصوت العالي (من يسبق فله ما تبقى من البشر والحجر) فانهالت عليها أخالط البشر وتناسلت نحوها من كل حدبٍ وصوب.
 
يالها من حالة تعيد ماضي الأمة للبدايات الأليمة، يوم أن كان الآريين يقتسمون بيوتنا ومزارعنا وضياعنا، وكانوا يعلمون أن أهم ما علينا هو كيف تعود الحمير لأماكنها في المساء ومتى تدخل الأغنام في محابسها. إنها سايس بيكو الحديثة يا قوم، فماضينا يكاد يشارف حدود المائة عام، ولم نخرج من قاعدتها القديمة، واليوم حُدّثت لتبتلينا بمائة عام قادمة، فهل هناك من يتحمل ضياعا آخر أشد مرارة من ذي قبل، إن سايس بيكو حاضرة بشكلها الماضي، ولكن بخطة عصرية مبتكرة، فكيف سينتهي بها الحال؟

لا أعلم ولا يعلم أحد كل الذي نعلمه أن هناك تسابق محموم لتثبيت مراكز القوة داخل نطاق العالم الإسلامي، فمن يسبق ويتحكم في الأرض سيتحكم في السياسة، وسيكون له الفصل في كثير القضايا المهمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.