شعار قسم مدونات

حين يصبح التعليم مضيعة للوقت

blogs - college
تقريبا في كل العالم للسعادة وتحقيق النجاح في الحياة نفس القاعدة، الدراسة، تحصيل شهادة، العمل ودخول في الحياة الإنتاجية، فمنذ الصغر زرع الكبار من أهالينا فينا هذا التمشي الكلاسيكي، والذي يضع الشهادة الجامعية مفتاح النجاح، ربّما هذه القاعدة قد كانت صحيحة في وقت من الأوقات، لكن هل اتباعها يمكن أن يفضي إلى السعادة اليوم؟

بالتمعن في الأوطان العربية وخاصة في تونس، الإجابة عن هذا التساؤل ستكون قطعا بالنفي، فالبطالة المتفشية شملت الشباب سواء من المتحصلين على الشهادات الجامعية أولا، لكن هذا الأمر لا يجب أن يؤخذ على إطلاقه، فمع ذلك نلاحظ أن سوق الشغل مفتوحة نوعا ما في قطاعات معينة كقطاع الخدمات (مراكز النداء) والشركات التجارية، كما نلاحظ أيضا أن أشخاصا مستواهم التعليمي متواضع جدا، ولم يبلغوا المرحلة الجامعية يحصدون مداخيل ضخمة نسبية قد تساوي دخل أستاذ أو طبيب في مستشفى عمومي، فما الذي يؤدي إلى هذا بالتحديد؟

في الحقيقة، إن الؤسسات التجارية وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها تونس، ليس بيدها إلّا أن تتصرف في منطقة الربحية والتكالب من أجل القيمة المضافة، تبعا لهذا فإن شعارها في الانتداب أصبح يقتصر في سؤال كيف يمكنك أن تحقق لي مرابيح بغض النظر عن المستوى الدراسي لطالب الشغل، أو حتى اختصاصه، فشروط الانتداب أصبحت اليوم تقتصر على معارف بسيطة في اللغة والتواصل ومعارف جيّدة في المجال المطلوب، والتي تتكون إمّا بموهبة (كشركات فنون الميلتيميدا أو الأعمال الفنية عموما) أو بالخبرة، فالدراسات النظرية التي يتحصل عليها الطالب في السنوات الجامعية أصبحت غير قادرة على تمكين صاحبها من أن يكون عنصرا فاعلا في المؤسسات التي فرض عليها المناخ الاقتصادي الحالي الحزم في الانتدابات.

لم نتعلم؟ هذا السؤال الذي يجب أن تطرح الدولة على نفسها، وأن تجيب عنه بطريقة براغماتية بحتة، وفي هذا الإطار ستكون الإجابة عنه مرتبطة بنظرة استشرافية نحو مستقبل البلاد الاقتصادي.

هذا من جهة الخواص، أما من جهة الدولة فرغم أنها تأخذ بعين الاعتبار التحصل على الشهادات الجامعية، والمستوى الدراسي في الانتدابات، إلا أن سياسة التقشف التي فرضتها الحكومة الحالية ستحول دون حصولها، وهو ما يجعل خريج الجامعة الذي لا معرفة لديه إلّا ما درسه يطبق تلك المقولة التونسية الشهيرة المتعلقة بالشهادة "نفخّها واشرب ماها".

ترجع أسباب هذه الكارثة إلى غباء الدولة وسياسة اللامبالاة التي حلّت بوزارات الإشراف، فالتعليم بملامحه الكلاسكية أصبح غير مجدٍ، هذا علاوة على تصدر شعب واختصاصات جامعية لا فائدة منها، دليل التوجيه الجامعي من جهة، ومن جهة أخرى نجد أن اختصاصات مهمة جدّا ما زالت دولتنا لم تلتفت إليها بعد، وهذا ما جعل البعض من ميسوري الحال يلجأون إلى التعليم الخاص، والذي سدّ ولو نسبية الفراغ التعليمي في البلاد، بدعم مستتر من طرف الدولة، سواء دعم قصدي أو ناتج عن عجز وسوء تجديد الهدف الرئيسي من التعليم.

لم نتعلم؟ هذا السؤال الذي يجب أن تطرح الدولة على نفسها، وأن تجيب عنه بطريقة براغماتية بحتة، وفي هذا الإطار ستكون الإجابة عنه مرتبطة بنظرة استشرافية نحو مستقبل البلاد الاقتصادي، وذلك من خلال تحديد القطاعات التي تستطيع إخراج البلاد من الصعوبات الاقتصادية التي تعيشها وخلق جيل جديد للاضطلاع بمهمة تسييرها وإنجاحها.

أمّا بالنسبة للعلوم التي لا فائدة جماعية منها، فيجب تركها للطالب نفسه، أي أن من شاء فليتعلمها وحده باستعمال الإنترنت أو المكتبات العمومية، حتى وإن كان هذا يمكن أن يشكل صدمة للكلاسيكيين، فإن الأمر أصبح إجباريا اليوم، فلم يعد للطالب أو للدولة وقت لمزيد تضيعه في مواد لا تصلح لشيء سوى عدد في دفتر الاعداد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.