شعار قسم مدونات

ثائرٌ لا معارض

blogs - جندي سوري
لهذه الأسباب اخترتُ أن أكون ثائراً لا معارضاً.. في ظل نظام مجرم قَمَع الحريات، وحارب الكلمة، وحاصر الفكر بالسلاح، كان من الطبيعي ألا يكون لدينا في سورية معارضة ظاهرة منظمة، تمارس نشاطها ضمن إطار قانوني. واقتصرت بيئة معارضة النظام، على أقبية السجون، ومنفى الغُربة، حيث تقتصر على شخصيات مستقلة، وبقايا أحزاب معارضة، تحاول عبثاً التغيير من الوضع الدكتاتوري القائم في سورية.

قامت الثورة السورية، وكانت انطلاقتها شعبية، من كل فئات المجتمع المقهور، الذي عانى من الظلم والفساد والقهر والحرمان، وكانت انطلاقتها عفوية ضمن موجة الربيع العربي، التي اجتاحت تونس ومصر وليبيا، ولم تكن بتحريك من أحزاب، بل إنها ولفترة طويلة لم تصدّر أي شخص يتحدث باسمها.

ثورة شارك فيها الرجال والنساء، وانخرط فيها الصغير والكبير، ولم تكن حكراً على حزب أو قومية أو مذهب أو تيار أبداً، بل شارك فيها جميع الشرفاء، ولم تقتصر على مدينة بعينها، بل شارك فيها الأحرار من كل المحافظات.

حاول النظام المجرم أن ينسبها لحزب بعينه ففشل، فحاول أن يلصقها بغرباء مجهولين وصفهم "بالمندسين" ففشل أيضاً، كما حاولت شخصيات عدة في بداية الثورة أن تختطف الثورة وتتحدث باسمها فكانت الثورة أكبر من قاماتهم. لينجح النظام فيما بعد – وبتآمر دولي- بتغيير الوصف الثوري للحراك الشعبي، إلى معارضة مسلحة، خارجة عن القانون، وأخرى معتدلة صنعها في دمشق ليحاور عبرها نفسَه، ويتخلص من الضغوط الدولية بمحاورة المعارضة.

حرصتْ الدول المتآمرة على تشويه اسم الثورة، وتقزيمها ضمن تسمية "معارضة مسلحة" ليسهل عليها التحكم بمفاصلها، والإيحاء بأن النظام القائم هو صاحب الشرعية، وأن ما عداه معارضة قليلة.

لكن مهلاً .. لماذا هي ثورة وليست معارضة؟ وهل وصفها بالمعارضة يقلل من شأنها؟ ما أفهمه من فروق بين الثورة والمعارضة، يتلخص ضمن هذه البنود:

– المعارضة عبارة عن أحزاب منظمة، تختلف مع النظام القائم، في المشاريع، والرؤية، وتعمل سياسياً بالوسائل الديمقراطية المتاحة، لاستلام السلطة لتنفيذ رؤيتها، وقد ترضى باقتسام السلطة أو إصلاحها، فيما الثورة عبارة عن حراك شعبي يرفض القمع والظلم والفساد، يقوم به الشعب، ويهدف لتسليم لسلطة لأصحاب الكفاءة والعدل من أبناء الشعب.

– الثورة حقٌ من حقوق الشعوب المظلومة، لتمكين الشعب من تقرير مصيره، واختيار حاكمه، أما المعارضة فقد تكون للتنافس على الحكم، ولا تعبر عن رأي الشعب، فقد تكون معارضة فاسدة ضد نظام جيد.

– الثورة لا تهدف لاستيلاء القائمين بها على الحكم "بأشخاصهم"، إنما تحرير الشعب، ومنحه حرية اختيار الحاكم، أما المعارضة فتهدف للاستيلاء على الحكم لنفسها.

– الثورة حقٌ ضد أنظمة جائرة مستبدة، لتعيد المشروعية للشعب، فيما يُنظر للمعارضة على أنها تكتل خارج عن الشرعية، ضد نظام شرعي.

– الثورة تستهدف اقتلاع الظالمين المستبدين من جذورهم، ولا تتصالح معهم على الدماء والتضحيات، فيما المعارضة قد تنتهي باقتسام السلطة، أو نيل بعض الامتيازات، أو الحصول على بعض مقاعد البرلمان، أو حقائب الحكومة.

– الثورة تستمد تعاليمها وأنظمتها من المبادئ الأخلاقية العامة، والقيم الدينية، والإنسانية، فيما المعارضة تحكمها أنظمة وقوانين الحزب المعارض، وتسير وفق رؤيته، ولا تخرج عن ضوابطه.

– المعارضة تتحرك بأوامر رؤسائها، ولها برنامج تلتزم به، والثورة تتحرك بعفويتها، وفطرتها، وبرنامجها هو ما تمليه عليها مستجدات كل مرحلة، من السلمية، والتسليح، وغيره.

– المعارضة تتطلب شروطاً في الانتساب، تحددها لوائح وأنظمة، فيما الثورة لا تشترط هذه الشروط، وبابها مفتوح لكل حر، صغيراً كان أم كبيراً، رجلاً كان أم امرأة، فقيراً كان أم غنياً، تاجراً كان أم بائعاً متجولاً، سياسياً كان أم طالباً جامعياً، مثقفاً كان أم أمياً، عالم دين أم عالم اقتصاد وهندسة، طبيباً كان أم حرفياً.

لا يعني أن كل المعارضين الذين انضموا للثورة قد أساؤوا إليها، فالانضمام للثورة ودعمها واجب كل حر شريف، بل إن فيهم كثير من الشرفاء الذين دافعوا عن الثورة، وأوصلوا صوتها للعالم بأمانة.

– غالباً ما تنتهي المعارضة إذا تمت تصفية رموزها وقادتها، فيما تتقد الثورات، ويزداد حماسها كلما تقدم أبطالها إلى الميدان، وقدموا أرواحهم مشعلاً على درب الثورة.

من أجل ذلك حرصتْ الدول المتآمرة على تشويه اسم الثورة، وتقزيمها ضمن تسمية "معارضة مسلحة" ليسهل عليها التحكم بمفاصلها، والإيحاء بأن النظام القائم هو صاحب الشرعية، وأن ما عداه معارضة قليلة، تحمل السلاح دون مشروعية في وجه الدولة، حتى وإن سيطرت هذه المعارضة على أكثر من 70 بالمائة من البلاد، وحتى إذا لم يتبق تحت سيطرة هذا النظام أكثر من 19 بالمائة.

لذلك فإنني اخترتُ الثورة، ولم أختر المعارضة، الثورة التي يشاركني فيها الشيخ والطفل والمرأة والشاب، الثورة التي لا تحتاج إلى إذن من أحد، أو طلب انتساب.

نعم! لقد اخترت أن أكون ثائراً لا معارضاً، بل إن النظام المجرم هو الذي يُعارض إرادة الشعب ورغبته في الحرية والكرامة، وهو الذي يُعارض الحق والعدل بتسلطه واستبداده، وهو الذي يُعارض الدين بجرائمه وبغيه.

هذا لا يعني أن كل المعارضين الذين انضموا للثورة قد أساؤوا إليها، فالانضمام للثورة ودعمها واجب كل حر شريف، بل إن فيهم كثير من الشرفاء الذين دافعوا عن الثورة، وأوصلوا صوتها للعالم بأمانة وصدق، ولكن على هؤلاء أيضاً أن يدركوا أنهم جزء من الثورة، وأن الثورة أكبر من أحزابهم، وأن البوصلة هي ثورة الشعب، وليست تحركات الأحزاب المعارضة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.