شعار قسم مدونات

المهنة صحفي.. والوظيفة مخبر أمني

blogs - ظل رجل
في كل مؤسسة من المؤسسات تجد أصحاب النفوس الضعيفة و"المنفسنيين"، الذين يضحون بكل معايير الأخوة والوصال من أجل تحقيق مصلحتهم الشخصية، ليتحقق فيهم المثل القائل "أنا ومن ورائي الطوفان" لكن حتى هؤلاء لم يصل مكرهم وحيلتهم أقصى من الوصول لمدير المؤسسة أو مدير قسم في مجال عملهم للنيل من زملائهم، إلا أن البعض تخطى الحدود وتجاوز المدى، وأتى بما لم يأت به الأوائل، فهم يكتبون التقارير في زملائهم العاملين بجانبهم، وربما قد أكلوا مع بعضهم منذ قليل، بل يمكن أن يُبلغ أحدهم الأمن عن زميل له من أجل الوصول والظهور، وهذا حدث بالفعل.
 
أعرف بعضهم معرفة شخصية، فقد التقيت ببعضهم في إحدى المؤسسات الصحفية التي كنت أعمل بها كانوا شخصيات عادية للغاية، وتوجه إلى هذه المؤسسة الصحفية التي كنت أعمل بها لكن لم يهتم بهم أحد قد يكون لطبيعة المكان وضعف إمكاناته، لكن كان بعضهم مغرما بالرؤى والأحلام والوصول والترقي، وأخبرني بعضهم أن هاتفا يأت إليه في الأحلام ليخبره بأمور غريبة مفادها الوصول لمرتبة عالية، في النهاية تركوا هذه المؤسسة ورحلوا.

كنت أرى بعضهم دائما في المظاهرات وفي المحاكمات، وفي الندوات يحاولون أن يُظهروا أنفسهم بأنهم شخصيات مشهورة، يذهبون هنا وهناك ويصورون هذا وذاك لعمل شبكة من العلاقات التي تخدمهم، علمت أن بعضهم التحق بمؤسسات شهيرة، وبالفعل كان لهم جهد لا بأس به، لكن وصولهم في توقيت سريع وتكريمهم وحصولهم على الجوائز، وهم لم يفعلوا أكثر مما فعله زملاؤهم فهذا مكمن المشكلة!

ما يدعو للعجب، أن هذه المؤسسات الصحفية كثيرا ما تشدقت بمعايير حقوق الإنسان، واحترام الرأي والرأي الآخر، وميثاق العمل الصحفي والنزاهة والأمانة، واحترام الغير.

ربما، كلنا شاهدنا وسمعنا الخبر الذي جاء على رؤوس جموع الصحفيين كالصاعقة منذ عام تقريبا، وهو إبلاغ صحفية عن زميل لها، كان يعمل معها منذ زمن، بحجة أنه ينتمي لجماعة معينة، وكان التساؤل وقتها لماذا انتظرت هذه الصحفية كل هذه الفترة لكي تبلغ عن هذا الإرهابي -بحسب وجهة نظرها-، وهل كانت تقصد من وراء ذلك أن تزيحه عن طريقها لتحظى هي بأولى الصور والسبق الصحفي؟ أم كانت تسعى بالفعل لمصلحة وطنها بحكم أنه ينتمي لجماعة إرهابية كما يدعي البعض؟

لكن حتى هذا فهو غير معقول كان يمكن أن تفعل ذلك بطريقة مختلفة -وهو أيضا غير مبرر- إذا قالت "إنه لا يحمل تصريح دخول مثلا"، لكنها لم تترك مجالا للزود عنها أو التبرير لها فهي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك بأنها صحفية بدرجة مخبر. اشتعلت وقتها مواقع التواصل الاجتماعي بهذه القضية وكيلت لهذه الصحفية الاتهامات ولم يحاول أحدهم معرفة لماذا فعلت ذلك؟، لأن ما فعلته بحق كان جريمة لا تغتفر.

ليست المشكلة في الوشاية في حد ذاتها على الرغم من كونها جريمة، لكن الأهم والسؤال الذي يطرح نفسه والذي راودني منذ قضية هذه الصحفية، لماذا يفعل هؤلاء هذه الأمور وكيف يبنون حياتهم عليها ومن يجبرهم على ذلك؟

الإجابة.. أخبرني بها صديق يعمل صحفيا وأثق في نقله، وهي أن بعض المؤسسات الصحفية الشهيرة تجبر العاملين لديها على كتابة التقارير في زملائهم، وهم مطالبون بذلك وإلا سيكتب فيهم هم تقارير من مرؤسيهم، لأنهم صحفيون شرفاء، يكرهون خيانة زملائهم، لكن للعلم هذا التقرير ليس مرتبطا بكون الزميل ينتمي لحزب أو تيار -وإن كان ذلك مطلوبا- لكن قد يكون هذا التقرير مرتبطا بطريقة العمل أو بحديثه مع زملائه أو بتحدثه في شؤون الحياة وتشمل السياسة ونظام الحكم وغير ذلك من الأمور تخص المؤسسة الصحفية نفسها كمعاملة المديرين أو مشكلات الرواتب والمنح أو تقديم شخص على آخر، أو المعاملة السيئة، وكل ذلك سيُكوّن تقريرا دسما يمكن أن يترتب عليه اتخاذ قرار في شأن الخصم.

سيكون هذا المخبر الصحفي نجما في الميديا والإعلام، وكلنا نرى ذلك عيانا بيانا إذ كيف يتحدث بعض الإعلاميين عن خبايا وأسرار تمس الأمن القومي لا يعلمها غيرهم وتقع بالفعل؟

ما يدعو للعجب، أن هذه المؤسسات الصحفية كثيرا ما تشدقت بمعايير حقوق الإنسان، واحترام الرأي والرأي الآخر، وميثاق العمل الصحفي والنزاهة والأمانة، واحترام الغير، بل إن رؤساء تحريرها أنفسهم كانوا في مشكلات وتضامنت معهم جموع الصحفيين، لكن كما يقول بيت الشعر "يعطيك من طرف اللسان حلاوة.. ويروغ منك كما يروغ الثعلب".

الواقع، أثبت أن كثير من الصحفيين وصوليون بدرجة مخبرين، ومرشدون يسعون للوشاية على زملائهم لحاجة في أنفسهم أو لنقص في شخصيتهم، لأنهم يعلمون أنهم أقل مرتبة منهم في المستوى التعليمي أو المهني، أو بفعل المؤسسة نفسها التي ربتهم وأجبرتهم على ذلك ورضوا به، فهم بالفعل مرضى بمرض الوصول والتقرب والترقي على حساب أصدقائهم وزملاء مهنتهم، حتى لو كان الثمن التضحية بهم.
 
وفي النهاية سيكون هذا المخبر الصحفي نجما في الميديا والإعلام، وكلنا نرى ذلك عيانا بيانا إذ كيف يتحدث بعض الإعلاميين عن خبايا وأسرار تمس الأمن القومي لا يعلمها غيرهم وتقع بالفعل؟ هم في الواقع ربحوا الشهرة التي كانوا يسعون إليها بأقل التكاليف -من وجهة نظرهم- بسبب جهدهم الأمني الوفير، لكنهم خسروا أنفسهم وسمعتهم ومصداقيتهم بسبب متاع من الدنيا قليل.

ولعل أهم جملة يمكن أن يختم بهذا هذا الأمر الحوار القصير الذي دار بين أحمد بهاء الدين نقيب الصحفيين الأسبق، وحسن أبو باشا وزير الداخلية الأسبق، فعندما سأل بهاء الدين أبو باشا قائلا له "لماذا تستخدمون الصحفيين الفاشلين للتجسس على زملائهم وكتابة التقارير فيهم؟" كان رد وزير الداخلية "وهو فكرك أن الصحفي المتحقق في مهنته والمتمكن منها يمكن أن يعمل مخبرا".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.