شعار قسم مدونات

العسكر بيني وبينك

blogs - Palestine kid
بني.. يا فلذة كبدي، وقطعة من روحي، يا ابن دمي ودموعي ومكابدتي.. يا ولدي الحبيب.. إنني وعندما يخلد الجميع إلى النوم، لا يغمض لي جفن وأنا أتحسس فراشك الفارغ منك والذي ما زالت تنفذ منه رائحة أنفاسك، ويسكنه طيفك بكل ذكرياتك الدافئة بكامل شبابها. 
ولدي حبيبي.. لا يمر في بالي في اللحظات التي أمر بها في حارات الحيّ الفارغة من جسدك الممتلئة بروحك، إلا وجهك الذي أراه في وجوه المارة من الشباب وحتى الأطفال. كيف لا وأنت في عين قلبي كل البشر. وأراك هناك في كل زواية كنت تحتلها بشيطنة طفولتك، وعنفوان شبابك. وأراك في كل زقاق شهد على مغامراتك وضحكك وألاعيبك التي لا تنتهي، وأحلامك التي كبرت بين سماء الوطن وترابه.

الآن أراك من مناماتي التي أدعو الله أنها رؤى يرشدني بها إلى راحة أنشدها بضمة أشدك بها إلى أحضاني التي لم تعد تطيق غيابك القسري عنّي. غيابك عني هو غياب قلبي في صدري وحزني لبعدك هو قهري على حالك، يا بعضي الباقي وكلّ كلّي.

الأسئلة تحاوطني من كل جانب، وتسوّرني بالإجابات الشائكة من كل صوب، يا ترى هل أراك حرا في القريب العاجل، هل أحظى بفرصة لتلمس وجهك وملامحك بيدي هاتين! هل ستزهر أحضاني بعطرك ثانية؟! كم سيطول غيابك عني! وجفاء المسافة وعنجهية السجّان!

أسأل الله أن يمنّ عليّ مرة أخرى، أن أروي ظمأ روحي إليك، ويروي ظمأ عروقك بالحياة التي سرقت منك عنوة ولم تحظ بفرصة عيشها كما تستحق.

أتذكر حين قلت لي مرة: "سأظلّ وفيّاً لفلسطين وترابها، وسأحمل همّ قضيتي وحرية وطني ما حييت"، أحسست لحظتها بالفخر وأن أرحامنا مهما عانت من جفاف الحرية، فإنها لن تلد إلا أحرارا سيدافعون عن أعراضهم بكل رجولة وعقيدة. الآن أقول لك: "إن قضى الله أجله ولم ألقك في الدنيا، فإن الجنة موعدنا يا حبيبي).

سيرزقكم الله بنخلة مريم تساقط عليكم رطبا جنيّا، تكافحون بها عطشا وتعبا أصابكم بظلم عدوكم وعدونا، فتصبح أجسادكم وحناجرنا منابر للصبر لا يشعر بحلاوته إلا المتيقنين من النصر القادم من عند الله.

ملح العين أحرق جفوني وأنا أناجي طيفك في أفكاري، وأنا التي أتجلد بالصبر حتى لا تفتر همتك ولا يُنتقص شيئا من انتصارك على سجانك. ويقيني أن عيني ستقر برؤياك مهما طال أسرك. السجن لا يستمر إلى الأبد وسجانك لن يجثم على ترابنا إلى الأبد، لا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر.

ملاذك قلبي يا ولدي، هناك ستبقى قويا، فتيّا ومنتصرا للأبد.. غياهب السجن غيّبت جسدك، ولكنها لم ولن تغيّب سيرتك العطرة من الأذهان والأفواه، هناك ستبقى علما ومعلما لكل جيل صاعد، يرنو إلى قدوة وقامة يتمثّل بها. أنت وكل أسير آخر منارة تضيء عتمة الدرب للمندفعين نحو التحرير والانتصار.

أشتاقك جدا ولكن فخري بنضالك هو صمودي وصمود كل أم لها ولد أُسر لأجل كل الأسباب التي تجعل مرارة فقدانه تتحول إلى زغاريد تعلو فوق حقد المحتلين وقلوبهم المعمية بالسواد، صمودك تاريخ يسطّر ملحمة خالدة، وشوقي إليك وسام فخر أتطوق به مرفوعة الرأس.

جوعك وجوع رفاقك الأسرى وأمعاؤكم الخاوية من الطعام، تحولت إلى دم يضخ في عروقكم وعروقنا عزّة وكرامة. وأذكّرك يا بنيّ بسيف عليّ قاهر الجوع، وعدالة الفاروق حين قال كلمته الشهيرة (ويحكم ويحكم أخذتم خيره وهو شاب وتركتموه وهو شيخ)، ولو تمثّل جوعكم رجلاً لعليّ وعمر لقتلوه!

سيرزقكم الله بنخلة مريم تساقط عليكم رطبا جنيّا، تكافحون بها عطشا وتعبا أصابكم بظلم عدوكم وعدونا، فتصبح أجسادكم وحناجرنا منابر للصبر لا يشعر بحلاوته إلا المتيقنين من النصر القادم من عند الله.

أختم كلامي يا ولدي وإن كان الكلام لا ينتهي ولا ينقص من تراكماته شيئا مهما قيل، أختمه بكلمات تحمل دمعي حبرا كي تشد على يدك وقلبك وعضدك. وراجية من الله أن يجعلها بلسما لروحك المتعبة وجسدك المنهك، وبيرقا تحمله في طريق عودتك إلينا منتصرا مرفرع الهامة شامخ الرأس. واصبر فما صبرك إلا بالله، واجعل الله في قلبك، فهو سبحانه وعدك إن تصبر فإنك بعينيه.

السلام لروحك.. والحرية لجسدك.. واللقاء موعدنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.