شعار قسم مدونات

لم أكن إعلاميا

blogs- الكاميرا

في بداية دراستي للبكالوريا كنت أطمح أن أكون إعلامياً وأن أدخل كلية الإعلام وأعمل في هذا المجال. وكانت كلية الإعلام تحتاج مجموعاً كبيراً في شهادتي الثانوية وإن لم أتمكن من الحصول على هذا المجموع لن أتمكن من تحقيق طموحي.

بعد حصولي على شهادة الثانوية لم أتمكن من التسجيل في كلية الإعلام رغم مجموعي الذي كان يؤهلني، بسبب ملاحقة النظام السوري للذين خرجوا ضده في بداية الثورة. كانت الثورة في عامها الثاني. والتي بدأناه بالحراك السلمي والتظاهر. لم يخطر في ذهني غير أني أقوم بتصوير تلك المظاهرات وحفظها على جهازي الخلوي، لم أدري أنها قد تقتادني للموت إن أمسك بها النظام.

بدأ الناشطون ببث المقاطع المصورة للمظاهرات وإرسالها للقنوات وبثها على اليوتيوب وأثارت ضجة كبيرة ولاقت زخماً كبيراً في الوطن العربي والعالم بشكل عام. كان الناشطون يعملون بأسماء حركية خوفاً من بطش النظام. كانت فرصة جميلة بالنسبة لي أن أقدم على العمل الإعلامي بدون تدريب ولا مهارة في هذا المجال وأصبح الأمر رائعاً وبدأت في هذا العمل وأنا على علم بمدى خطورته بالنسبة لي، لكن لم أكن مبالي إذ أنها الفرصة الجميلة التي أتيحت لي بعد فشلي بالتسجيل في الكلية.

لا نزال نوثق انتهاكات كل من اعتدى على شعبنا بكل شفافية وبأبسط الإمكانيات وبشتى الطرق. فهذا كان العهد منذ بداية ثورتنا.

بعد خروج قريتي من سيطرة النظام السوري وبعض المناطق المجاورة أصبح من السهل التحرك ضمنها دون ملاحقة النظام لنا. وأصبح بوسعي تغطية الأحداث التي تجري وكتابة المناشير بكل حرية. وأصبح الإعلام في مناطقنا سلطة مثل ما يقولون. بدأت بالتعلم من اليوتيوب وكتابة التقارير الإخبارية ونشر ما يحدث للناس وتغطية انتهاكات النظام بحق شعب مضى في وجه الظلم والعبودية.

أتيحت هذه الفرصة للكثيرين مثلي ممن كانوا يتمنون الحصول عليها. فبدأ البعض ممن لديهم خبرة سابقة بتدريبنا والعمل على تطويرنا. وأصبحت أبحث عن هذه الدورات التدريبية وتمكنت من الحصول على مبادئ هذا العمل. كنت هاوياً للتصوير وعاشقاً للسينما. أحببت نقل الحقيقة وقول الحق والمصداقية في هذا العمل. رغم تحويل هذا العمل من قبل الكثيرين للكذب والمراوغة والفائدة.

بعد أن قمت بجمع بعض المال تمكنت من شراء كاميرا بسيطة تنوب عن كامرة جهازي الخلوي وتظهر الصور ومقاطع الفيديو بشكل واضح واحترافية أعلى. أحسست وقتها بالتطور ووجدت نفسي أمام خيال واسع الأفق والطريق المفتوح. لكن بعد سنوات من هذا العمل خسر العمل الإعلامي سلطته في مناطقنا وخسر الكثير من مصداقيته بسبب تضارب الأخبار وأصبح كل شخص يملك حساباً على مواقع التواصل الاجتماعي بإمكانه أن يكون إعلامياً. أصبحنا في دوامة الإعلام بعد تعرض الكثير من الإعلاميين للخطف والقتل والبعض منهم للتهجير بشكل مباشر أو غير مباشر.

أصبح هذا العمل مخيفاً وخطيراً في سوريا إذ انه تم طرد جميع الإعلاميين والصحفيين الأجانب من البلاد وكثر التضييق على الإعلاميين لكنه يبقى العمل الممتع بالنسبة لمن أحبه ولمن كان حلمه فيه وطموحه له. فلا نزال نوثق انتهاكات كل من اعتدى على شعبنا بكل شفافية وبأبسط الإمكانيات وبشتى الطرق. فهذا كان العهد منذ بداية ثورتنا. بالنسبة لي قد أكون حققت القليل من طموح حياتي ولو لم أكن قد درسته بالفعل، لكن شرف المحاولة والنجاح فيها كان أمراً مهماً في حياتي التي لطالما أعيشها في بلاد يحلم بالسلام، في سوريا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.