شعار قسم مدونات

عندما تكون أزهرياً

blogs - Azhar
بات في ليلته يحتضن عمامة الأزهر ينتظر بشغف أن يأتي الصباح ليرتديها لأول مرة في حياته، فاستيقظ باكراً مع أذان الفجر ليصلي الفجر في جماعة لعلمه بفرضية الصلاة في هذا الوقت واعتقاده بأنه لا يليق بمن هو في مكانته أن ينام عن صلاة الفجر. ثم ذهب إلى بيته بعد الانتهاء من الصلاة مسرعاً ليقف أمام المرآه مفتخراً وهو يرتدي الجبة والقفطان الأزهري (الكاكولاا) ليضع فوق رأسه عمامة الأزهر كأنه تاج السلطان.

فيخرج من بيته مبكراً يمشي في هيبة ووقار لعلمه بمكانة الزي الذي يرتديه حتى يصل الى المعهد الديني ليقف وسط مئات ممن همَّ يرتدون مثله من الطلاب الأزهريين في طابور الصباح ليُنشد مردداً:

 "نحن الفتيان بنو الأزهر.. أقسمنا يمينًا لن نُقهر
     وكتاب الله بأيدينا.. نفديه باليابس والأخضر

فردد معي يا أخي هذا النداء نداء الله قبل نداء الوطن.. ليصيح الجميع قائلين "الله اكبر، الله اكبر، الله أكبر.. تحيا جمهورية مصر العربية"، فكان لهذا النشيد أثر العزة في نفس كل من يردده ويزرع في وجدانه الفخر لانتسابه لهذه المؤسسة العريقة. ولما لا؟ وهو الفتى الذي يدرس علوم الدين والدنيا معاً
فهو يتعلم دستور الحياة الذي شرعه الله عز وجل له من القران وعلومه والحديث وأصوله والتفسير وتأويلاته والفقه واستنباطاته.

بالرغم من الحملة التي تشن على الأزهر منذ ولاية جمال عبدالناصر التي تسببت في إضعافه ومصادرة أوقافه وإفقاده لاستقلالية وتشوية صورة العالم الأزهري والسخرية منه في الإعلام، ظل الأزهر صامداً.

وتلك المواد التي يدرسها ذاك الفتى الأزهري جعلته يعلم أنه يختلف عن أقرانه من نفس عمره الذين يدرسون في غير الأزهر. ولما لا؟ فبمجرد علم رواد مسجد الحي الذي يقطن فيه بأن هذا الفتى طالب أزهري قدموه لإمامتهم في الصلاة.. ولما لا؟ فرغم حداثة سنه وهو ابن الحادية عشر يجد من يستوقفه ليسأله عن بعض أحكام الدين، ولما لا ؟ فهو من يصحح ويعلم أقرانه من نفس عمره الكثير من المعلومات والأحكام الدينية.عندما بدأ الفتى يقرأ في تاريخ الأزهر.. أدرك كم هو محظوظ حين حملته الأقدار إلى رحابه وقادته إلى محرابه.. وحين شرع في التعرف على شيوخه.. راح يتغنى بقول الشاعر:
 

أولئك آبائي.. فجئنني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامعفذلك الأزهر المؤسسة العريقة العتيقة ظل على مدار التاريخ حصن أمان لهذه الأمة ورمزاً للوسطية والاعتدال في العالم أجمع. وبالرغم من الحملة التي تشن على الأزهر منذ ولاية جمال عبدالناصر التي تسببت في إضعافه ومصادرة أوقافه وإفقاده لاستقلالية وتشوية صورة العالم الأزهري والسخرية منه في الإعلام، ظل الأزهر صامداً إلى وقت قريب ضد كل هذه الافتراءات والتشويه المتعمد.

نعم الأزهر الآن متغيب عن التأثير العام، نعم قد اهتزت صورة الأزهر وهيبته في نفوس المصريين، لكن سيظل الأزهر هو الأزهر بعزته ووقاره وتاريخه وعلمائه ومنهجه المعتدل وثوابته لا يضره تطاول المتطاولين. فنحن الأن بالرغم من اعتراضنا على سياسة الأزهر وبعض منتسبيه لكن لا نملك رفاهية التناحر مع الأزهر أو شيخه. 

بل من يتمنى سقوط الأزهر لمجرد اختلافه مع شيخه أو بعض من ينتسب إليه ويفرح بهذه الهجمة فهو خائن لدينه أو جاهل لا يعي حقيقة الصراع والمعركة التي تستهدف الإسلام المتمثل في الأزهر ووسطيته. فالأزهر الشريف ليس مجرد جامع وجامعة.. بل هو شمساً جديدة تدور في فلكها رحلة العلم والثقافة والعقل حاملة ضياءه إلى البلاد القاحلة.. 

لذلك سنظل ننافح وندافع عن الأزهر الشريف على أمل من الله أن يُخرج من ينتشله من الهاوية التي سقط فيها بفعل فاعل، ليستعيد الأزهر مكانته العلمية والدينية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.