شعار قسم مدونات

الحوار السليم منهجية مفقودة عبر مواقع التواصل

blogs - using mobile

نحن اليوم نعيش حالة فكرية مشتتة بين جيل الشباب الذين يمرون بمراحل متداخلة ومختلفة بدت واضحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فتارةً نشعر أننا بمجتمع متزمت وتارة أخرى مجتمع يتعرض لأفكار متطرفة إلى مجتمع يمارس أقسى درجات التعنيف اللفظي بين التعليقات خاصةً، وبين مجتمع يحاول التخلي عن أدوات كثيرة ويركز في بقعة معينة ليستطيع أن يعيش حياة جيدة وسليمة أو على الأقل خالية من النزاع الداخلي الذي يقع بينه وبين نفسه وأفكاره.

لكن اليوم لا نستطيع أيضاً أن نعيش بحالة انعزال عن الآخرين ونقوم باعتناق أفكار ومعتقدات بشكل فردي، بل بأمس الحاجة أن نشارك تساؤلاتنا وتوجهاتنا وأن نطور عقلنا بالاتجاه السليم ولا سيما أن الحوار هو أهم ما يجب تعلمه لنستطيع تجاوز الصراعات وكأداة مهمة لصناعة محتوى بديل لمحتوى الكراهية الذي ينتشر مجرد حدوث قضية ما تجعل سياقها متواترة ومثيرة للنزاع.

ولا بد من وجود توضيح لمصطلح خطاب الكراهية لنستطيع طرح الأدوات التي تساعد على حله وقد صدر أول تعريف له في الولايات المتحدة عام1993، بأنه الخطاب الذي يدعو إلى أعمال العنف أو جرائم الكراهية، ويوجد مناخاً من الأحكام المسبقة التي قد تتحول إلي تشجيع ارتكاب جرائم الكراهية وعادة ما يستخدم أصحاب ذلك الخطاب أساليب متعددة من جعل الآخرين يشعرون بعدم الأمن، وتشتمل العنف والإيذاء، وتدمير الممتلكات، والتهديدات، وإطلاق ألقاب غير مستحبة، أو إرسال بريد أو التقليل من شأن الفرد.
 

دول الغرب وصلت لمستوى من التطور بسبب عملهم كمجموعات ضمن فئات مختلفة وأهدافهم ترتكز على الفكرة لا على أصحاب الفكرة وما هي أفكارهم أو معتقداهم.

وبناء على ما سبق فأن هذا الخطاب موجود منذ القدم وليس وليد اللحظة ما حدث لمسلمو البوسنة وفي تقرير للجزيرة تحت عنوان "مسلمو البوسنة والهرسك: ثقل التاريخ وتحديات بناء المستقبل" أن الحروب في يوغسلافيا الاشتراكية، وأساسًا في البوسنة (1992- 1995)، أدت إلى تهجير ما يزيد عن مليون ونصف المليون شخص وأكثر من 200 ألف قتيل، وأيضًا إلى ارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق مسلمي البوسنة الذين تعرضوا لخسائر بشرية ونزلت بهم مجازر مروعة وعانوا من التهجير الذي أخلَّ بالتوازن الديمغرافي وألزم المسلمين بكيان هش يعاني من أزمات متوالية.

وحالة الحروب هذه يكون خطاب الكراهية المرحلة الأولى لتأسيس حالة نزاع وصراع داخل الدولة، ولكن اليوم يمارس هذا الخطاب بشكل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويزيد من نسبة التنافر بين أفراد المجتمع لذلك نحن بحاجة لإيجاد وسائل تساعد على التقليل منه والتأثير الحاصل بسببه .

المثالية وسيلة لتطوير المجتمعات
إن الهدف الأساسي من السعي للمثالية هو أن نصل لمجتمع واعي مثقف ومنفتح يتقبل التعددية بمختلف أشكالها وعلينا أن ننادي بها ونسعى لها مهما كان واقعنا بالإضافة إلى مجتمع يتبع قواعد الحوار والمساواة ليزدهر بشكل علمي وملموس في كافة جوانب الحياة، ولا يمكن أن ننكر أن دول الغرب وصلت لمستوى من التطور بسبب عملهم كمجموعات ضمن فئات مختلفة وأهدافهم ترتكز على الفكرة لا على أصحاب الفكرة وما هي أفكارهم أو معتقداهم، ونحن اليوم لنصل إلى مجتمع متطور علمياً وفكرياً نحتاج أن نتقبل بعضنا البعض.

لا أريد أن أكون متناقضة ما بين واقعنا والمثالية التي نتمنى أن نصل إليها، وأعلم جيداً كمواطنة أردنية تعيش في مجتمع محافظ منغلق على نفسه الذي لا يتقبل تصرفات الآخر خاصة إذا كانت غريبة عن مجتمعنا ويصعب عليه تقبل بعض الأفكار التي قد يعتبرها الآخر أنها حرية شخصية، أمنياتي الشخصية هو بأن نستطيع الوصول الى مجتمع متقبل للآخر بشكل كامل؛ وهو أمر ليس بالسهل أبداً ولكي نستطيع تحدي الواقع الذي نعيشه بكل تفاصيله ولا بد أن تكون البداية من مراجعتنا لأنفسنا بطريقة نقاشنا مع الآخرين وكيف يجري سياق الحديث معهم؛ هل أمارس معهم التعنيف اللفظي؟ هل احمل عليهم أفعال لم يقوموا بها؟ أو حتى مجرد فرض رأيّ الشخصي عليهم؟

التعلم سبب هام للحوار
تنص مبادئ الحوار الأساسية على أن الغاية الأساسية من الحوار هي التعلم والتغيير والنمو لفهم الحقائق من حولنا ومن ثم يترك للمشترك الآخر حرية تغيير موقفه أو وجهة نظره من الموضوع وليس بفرض الرأي على الآخرين خلال عملية الحوار، ولا يمكن كسب المزيد من العلم والمعرفة بدون التنويع في طبيعة الأطراف المشاركة بالحوار مثل حوار الأديان والايديولوجيات المختلفة لأن الهدف من الحوار هو إدراك الواقع .

علينا أن نسمع الآخر لماذا اعتنق هذه الأفكار فمثلاً استمع لشيعي لماذا اختار أن يكون الشيعي أو السني لماذا اختار أن يكون سنياً وكذلك المذاهب في الإسلام الحنفي والمالكي وغيره، والملحد لماذا اختار أن يكون ملحداً وقس على ذلك .

لا تكن أبدا من الأشخاص ذوي الدم الحاميّ خاصة في ردود أفعالك عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبإمكانك أن تطلب من الآخر التعريف عن نفسه لتستطيع إجراء حوار متناسق معه بدون استخدام الشتائم أو حتى الحكم الحاد عليه.

الصدق عامل نجاح
مجتمعنا بحاجة ماسة لحدوث حوار واعي يتقبل الآخر بين جهاته السياسة، العقائدية، الدينية والأيديولوجية وبذلك يتخلل هذا الحوار مجموعة من المعلومات التي تحتاج أن يكون الطرف المشارك بها يتحلى بالصدق والأمانة التي ستجعل من الحوار أن يخلو من تشكيل مظاهر للمعرفة أو لفلسفته المعرفية، وأن يكون صريحاً بما يقدم للآخر وعدم افتراضهما لإثبات الأفضلية بما لديه وبذلك تتشكل الثقة بين الطرفين ويكتمل الحوار بأهم أساسيات الحوار الناضج .
 

وفي مرجعنا للوصايا العشر المتعلقة بالحوار بين الأديان والأيديولوجيات يجب أن لا نقارن بين مثلنا العليا وبين ممارسات الشريك لأنها تصنع فجوة بين طرفي الحوار وتقلل من نسبة نجاحه على سبيل المثال، یمكن مقارنة الممارسة الھندوسیة في الماضي التي فيها كان یتم حرق الأرامل وھنّ مازلن أحیاء (سوتي) بالممارسة المسیحیة في الماضي لحرق الساحرات والمتھمین بالھرطقة.
 

اسمح للطرف الآخر بالتعريف عن نفسه
بالإضافة إلى مبدأ هام قد تجاوزنا عنه خلال أحاديثنا مع البعض أننا لم نسمح لهم بالتعريف الذي يفضلونه عن أنفسهم والكثير من المواقف قمنا بإصدار تعريف عن الآخرين تبعاً لمواقف معينة أو ظروف وقعوا بها ولم نعطيهم الفرصة ولا المساحة الكافية للتعريف عن أنفسهم؛ من هم وماذا يحبون أو يفضلون. أن يتحدث الأشخاص عن أنفسهم فهذه النقطة وحدها كفيلة بأن تحل الكثير من سوء الظن أو الفهم المغلوط عن الآخرين بسبب ممارساتهم أو حتى أفكارهم، فلا تكن أبدا من الأشخاص ذوي الدم الحاميّ خاصة في ردود أفعالك عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبإمكانك أن تطلب من الآخر التعريف عن نفسه لتستطيع إجراء حوار متناسق معه بدون استخدام الشتائم أو حتى الحكم الحاد عليه.
 

هذه المقالة احتوت على جزئية من أدوات الحوار وليست جميعها فلا بد من البحث أكثر في ما يتعلق بأدواته والوصول إلى حلول مشتركة بين الكاتب والقارئ والتخلص من خطاب الكراهية والوصول إلى حوار سليم يكون أساس ومنهج علاقاتنا مع بعضنا البعض بدون تنمر وإهانة للأفراد والمشتركين في النقاشات المختلفة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.