شعار قسم مدونات

إيمانويل ماكرون.. قصة الحب التي ستغير فرنسا

blogs ماكرون و زوجته

لقد طوى العالم قصص حب كثيرة ناجحة وفاشلة، إلا أن حب إيمانويل وبريجيبت أبى إلا أن يظهر للعالم أجمع، لقد أظهر إيمانويل ماكرون المرشح لرئاسة فرنسا 2017 حبه بكل جرأة للعالم منذ أن أحب زوجته بريجيت وهو في عمر الخامسة عشرة، بينما كانت معلمته وزوجته الحالية في عمر الأربعين.

وقال ماكرون عن بريجيت لكل العالم: "لا أخفيها.. إنها هنا في حياتي، كما كانت دائمًا" كما قال عنها إنها لن تكون خلفه، إنما معه وإلى جانبه، على الدوام، حينما قال: "إذا انتُخِبتُ، لا، آسف، عندما نُنتَخَب، ستكون هي موجودة، في مكانٍ ومهمة"، كذلك فإنه أكد أنه مدين لها بالكثير وعلى الدوام، حين قال في إحدى خطاباته: "أنا مدينٌ لها بالكثير، لأنها ساهمت فيما أنا الآن عليه". 

لقد بحث الفرنسيون عن هذا الحب الجريء والناضج قبل أوانه، الحب ذو الإرادة الصعبة، والذي استطاع أن يحقق شبه المستحيل وأن يُخضعَ ما يريد لآماله، بحثوا عن حب كهذا لبلادهم من مرشح قادر على حب فرنسا والعمل من أجلهم، وهذا ما ظهر من خلال نتائج الانتخابات التمهيدية، بل وبحثوا تحديدًا عن هذه الجرأة في شكلها السياسي من شاب في التاسعة والثلاثين من عمره؛ هذا الشاب الذي تدرج سريعًا ليصل إلى سدة الحكم في فرنسا، وهو من مواليد 21/ديسمبر/1977م، وفلكيا فإن الشخصية العملية لبرج القوس الذي ينتمي له ماكرون توصف بالقيادية وإنجاز الأعمال على أكمل وجه، وهو يعمل على تتبع الخطوات في العمل وفق خطة عملية مدروسة ويعمل ضمن قاعدة (لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد).

ماكرون أكّد في أكثر من تصريح وخطاب وحفل جماهيري على إمكانيته وقدرته على حل الأزمة الاقتصادية الفرنسية، التي توصف بالأصعب منذ سنوات طويلة، والتي لربما تشكل التحدي الأكبر أمام الرئيس الفرنسي المقبل.

سيرته الدبلوماسية وجرأته:
ظهرت جرأة ماكرون في مواضع أخرى متعددة؛ فلقد خرج من الحزب الاشتراكي الذي انتمى إليه منذ 2006 حتى 2009، ومن عباءة الدولة التي لم ينخرط بها لأكثر من أربع سنوات؛ إذ بدأ نائبًا للأمين العام للرئاسة الفرنسية، مع بداية عهد الرئيس أولاند في العام 2012، وحتى العام 2014 واستقال من منصب وزير الاقتصاد في حكومة مانويل فالس 2016 ليؤسس حزبه "إلى الأمام"، الذي يوصف بالوسطية والليبرالية وتأييده الكبير للاتحاد الأوروبي. 

كما ظهرت جرأة ماكرون في إعلانه بتاريخ إبريل 2016 ترشحه للرئاسة في الانتخابات المقبلة، وذلك بعد شهرِ من إعلانه دعمه للرئيس أولاند في حال ترشح الأخير للانتخابات المقبلة، كان ذلك أيضًا بعد مرور أقل من عام على تأسيس حزبه "إلى الأمام"، وبالرغم من رؤية بعض المقربين منه إبكاره في هذه الخطوة إلا أنه أصرّ على خوض غمار الانتخابات، ومنافسة رموز السياسة الفرنسية الكبار مثل "لوبان" و"فيون" وغيرهما، ومنافسته بحزبه "إلى الأمام" الأحزاب الفرنسية العريقة مثل "الحزب الاشتراكي" و"حزب الجبهة الوطنية" و"الديموقراطيين الديغوليين" و"الجمهوريين".

كذلك فإن ماكرون أكّد في أكثر من تصريح وخطاب وحفل جماهيري على إمكانيته وقدرته على حل الأزمة الاقتصادية الفرنسية، التي توصف بالأصعب منذ سنوات طويلة، والتي لربما تشكل التحدي الأكبر أمام الرئيس الفرنسي المقبل. 

المنافسة الرئاسية:
لقد وفّق ماكرون أيضاً بمنافسيه في الانتخابات الفرنسية؛ فبعد الفضائح والمشكلات التي مُنيَ بها المرشح "فرنسوا فيون" بسبب قضية الوظائف الوهمية التي أولاها لزوجته، إبّان توليه مناصب مختلفة في الدولة، منذ نحو عشر سنوات؛ جعلته منافساً وخصماً سهلاً لماكرون الذي كان يَعِدُ الناس بوظائف للجميع في حال انتخابه رئيسًا لفرنسا، فيما زادت مشكلات فيون بالطبع من قوة خصم ماكرون الأشرس مارين لوبان أيضًا.

بعد منافسة محتدمة بين كل الأطراف السياسية الفرنسية حسمت المعركة الأكبر بين لوبان اليمينية المتطرفة وماكرون الوسطي المعتدل، وذلك بفارق بسيط بدا في الانتخابات التمهيدية التي جرت في 23/أبريل/ 2017م. 

ولقد حسمت نتائج الانتخابات المنافسة فعليًا بين الأطراف الرئيسية للسياسة الفرنسية كما يراها البعض إذ يتناقض المترشحون أيّما تناقض حيث أن أبرز ما تدعو له لوبان بشكل رئيسي هو الخروج من الاتحاد الأوروبي والانفصال بفرنسا عن أوروبا السياسية كلياً، فيما يظل ماكرون الأقرب للاتحاد الأوروبي، كما تنادي لوبان بوقف الهجرة إلى فرنسا وتقييد المسلمين وإغلاق المساجد في فرنسا، بينما يرى ماكرون ضرورة احترام الأديان كافة وعدم التفريق بين أتباع واحدة منها وأخرى، ويشدد على أن أحد أهم مبادىء سياسته تعتمد على بقاء الباب مفتوحًا للهجرة إلى فرنسا ومساعدة اللاجئين.

في الوقت نفسه الذي يحظى فيه ماكرون بشعبية قوية في الأوساط العربية إلا أنه يلقى بعض الملاحظات والانتقادات والتحفظات من مؤيدي نظام الأسد في سوريا، الذين يعتبرونه عدوًا لهم، وهناك من يجده مكملاً لسياسة أولاند التي اعتبروها جامدة ومماطلة إزاء المنطقة

موقف العرب من ماكرون: 
لقد وصف ماكرون بالمفضل عربيًا، والأقرب إلى الفرنسيين من أصول عربية، لمواقفه المتماشية مع مصالحهم، كذلك فقد بدت الأفضلية لماكرون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أو منطقة الوطن العربي عمومًا، وقد تبدى وظهر هذا الموقف العربي جرّاء مواقف كثيرة أبداها ماكرون تجاه العرب، حيث بدأ من الجزائر عندما صرح في زيارته لها مؤخرًا بخصوص الاستعمار الفرنسي هناك قائلاً: "إن الاستعمار جزء من التاريخ الفرنسي. إنه جريمة، جريمة ضد الإنسانية، إنه وحشية حقيقية وهو جزء من هذا الماضي الذي يجب أن نواجهه بتقديم الاعتذار لمن ارتكبنا بحقهم هذه الممارسات". كما علق على الاستعمار الذي دام 132عامًا في الجزائر قائلاً: "نعم في الجزائر حصل تعذيب، لكن قامت أيضا دولة وطبقات متوسطة، هذه حقيقة الاستعمار. هناك عناصر حضارة وعناصر وحشية".

ما أثار ضجة وتضاربًا في المواقف في فرنسا بين مؤيد ومعارض ومتهم لماكرون بالخيانة للموقف الفرنسي الوطني، فيما دعا لدى زيارته لبنان مؤخراً أيضاً إلى تبني سياسة متوازنة إزاء نظام بشار الأسد في سوريا، والبدء بمحادثات لإنهاء الأزمة وإيجاد حل لأزمة اللاجئين السوريين، وعن بقاء الأسد في السلطة فإنه لم يضع رحيله شرطًا لبدء المفاوضات والحوار، ولكنه في نفس الوقت يرى أنه لا دور للأسد في سوريا المستقبل، كذلك يقول ماكرون إنه "لا يمكن أن يتحقق السلام بلا عدل، والأسد ديكتاتور ارتكب جرائم ولا يمكن المساواة بينه وبين الثوار".

أما عن العراق فيرى أن حل الأزمة يكون سياسيًا لا عسكريًا هناك، ويندد ماكرون بالتدخل الروسي في سوريا على العكس من مارين لوبان المؤيدة للتدخل الروسي ونظام الأسد. 

وفي الوقت نفسه الذي يحظى فيه ماكرون بشعبية قوية في الأوساط العربية إلا أنه يلقى بعض الملاحظات والانتقادات والتحفظات؛ أولاً من مؤيدي نظام الأسد في سوريا، الذين يعتبرونه عدوًا لهم، وهناك من يجده مكملاً لسياسة أولاند التي اعتبروها جامدة ومماطلة إزاء المنطقة، من جهة أخرى يرى البعض غموضًا في صعوده للسلم الوظيفي الإداري والوزاري حتى الوصول إلى الرئاسة في فرنسا رابطين ذلك باللقاءات الكبيرة التي عقدها مع حكام وروؤساء دول كبرى مثل ملك إسبانيا ورئيسة وزراء بريطانيا، وغيرهما، والأهم من ذلك هو عمله في مؤسسة روتشلد المحسوبة على الصهيونية العالمية، والتي يرى أصحاب هذا الرأي أنها هي من ساهمت في وصوله إلى ما هو عليه، ويذكر أن ماكرون تحفظ على التعليق على القضية الفلسطينية، ولم يعط أي حلول أو آراء تجاهها. 

في النهاية فإن العالم سيرى بعد تاريخ 7/مايو/2017 تغيّرًا للوجه والمضمون الفرنسي في العالم، بما يضمّنه كل من المرشحين ماكرون ولوبان سواء بمجيء لوبان اليمينية المتطرفة أو ماكرون الوسطي المعتدل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.