خرج تطبيق التراسل الأشهر حول العالم "واتساب" عن الخدمة ليلة الخميس فشاهدنا جميعاً كيف تحولت صفحات موقعي "فيسبوك" و"تويتر" لمنشورات وتغريدات تتحدث عن الموضوع باهتمام بالغ وكيف أصبح هذا الأمر محور نقاشات ومحادثات بين سكان هذا الكوكب الأزرق وأقصد الكوكب الأزرق الكرة الأرضية لا "فيسبوك" كي لا تختلط علينا المفاهيم والمصطلحات.

إذا إعتاد الإنسان على شيء ما، فإنه بصعوبة بل وبصعوبة بالغة سيواجه تركه أو الانفصال عنه ورحيله من بين يديه وبالولوج إلى موضوعنا هذا تابعنا جميعاَ ردة الفعل الساخطة والرافضة من توقف "واتساب" ومدى تأثيره الكبير على المستخدمين حول العالم، إذ كيف لتطبيق تواصل مهم يجمع بين ما يقارب المليار مستخدم أو يزيد يتوقف فجأة ويحرمهم من التواصل فقط عبر هذه الأداة مع العلم أن باقي الأدوات لا زالت متاحة.

كنت أتصفح ردود الأفعال وتناقل الأخبار بشأن توقف التطبيق وكيف أن الجميع مستاء ومتضايق من الأمر، انتابني شعور أن خطباً كبيراً قد حصل وهو توقف للكرة الأرضية عن الدوران وانعدام تعاقب الليل والنهار، شعرت وكأن حدثاً غريباً أصاب العالم أجمع وقد يكونوا محقين في ردة الفعل هذه.

تخيل عزيزي يا من تضايقت من توقف "واتساب" لساعاتٍ قليلة أن هناك بشر في غزة يتجاوز عددهم إثنين مليون نسمة لا يرون الكهرباء موصولة سوى ثلاث أو أربع ساعات في اليوم بعد أن تعودوا عليها أن تكون موصولةً طوال اليوم حتى العام 2007 عند بداية الحصار المفروض عليها، تخيل أن هناك مرضى وطلاب بالإضافة لعمال ولأصحاب أشغال ينتظرون هذه الساعات الأربعة ليقضون حاجاتهم ولا تكفيهم طبعاً، هذا عدا عن ربات المنازل اللاتي يردن إتمام أمور وتدابير المنزل من غسيل وغيرها.

تخيل أن المنفذ شبه الوحيد المستخدم للسفر لم يفتح منذ أكثر من ثلاثة أشهر وإذا فتح فإنه يفتح لمدة أسبوع ليسافر عدد قليل من الطلاب والمرضى، أي أن معظم سكان هذه البقعة ممنوعون من السفر. وهل تعلم أن الكرة الأرضية التي توقفت عندك بمجرد توقف تطبيق "واتساب" هي متوقفة أصلاً عند هؤلاء البشر منذ عشرة أعوام بل إنها أحياناً تدور عكس دوران الأرض الطبيعي أي مع عقارب الساعة.

إن لم تفهم ما معنى ذلك، لك أن تبحث عن عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة على مدار ثلاث جولات وهناك تلميحٌ لبدء الرابعة فعندها لا داعي لكهرباء ولا حتى لماء، يكفي أن تحافظ على روحك وجسدك إن استطعت.

يكفي أن تعلم أن الكرة الأرضية بالفعل متوقفة عن الدوران في غزة بالرغم من وجود "واتساب" و"فيسبوك" إلا أنه ينقصها الكثير الكثير لتلتحق بركب هذا الكوكب البائس الذي أصبح ظلم الإنسان فيه سمةً من سماته وعادةً من عاداته المتكررة وغير المتناهية.