شعار قسم مدونات

معنى أن تكون وطنيا

blogs المغرب
صحيح أن العنوان يحمل مجموعة من الدلالات المتعددة بتعدد وجهات نظر المتلقي وفكره، وأنا بدوري يعني لي الكثير، لا أحد يجادل بأن الشعب المغربي غني بتنوعه الثقافي والعرقي والروحي، وباختلاف طبقاته الاجتماعية، ومن البلدان الأولى التي تتشبت بوطنيتها وحبها لوطنها. لكن من باب الفضول سنحاول من خلال هذه التدوينة التعرف عن مفهوم الوطنية بشكل محايد، وهل الشعب المغربي شعب وطني، ولتحليلها سأعمد لتقسيم التدوينة إلى شقين، الوطنية كمفهوم، والوطنية في العقل المغربي.

تعتبر الوطنية كمفهوم كبير يتغلغل في وعي الشعب المغربي ويحرك مشاعره ويوجه فعله وينعكس على تصرفاته، لا أبالغ إن قلت بأن الوطنية عند المغاربة أصبحت تحاكي المفاهيم الكبيرة من حرية وموت وحياة وعقائد وديانات إلى غير ذلك. انطلاقا من هذه الإشكاية سأحاول معالجة الوطنية كمفهوم صحيح وأقارنه بالوطنية في العقل المغربي وتفعيلها من طرف الشعب.

بالبحث في بعض المراجع البسيطة ظهر لي بأن الوطنية هي الانتماء إلى رقعة جغرافية والإقامة بها، وهي كلمة مستمدة من الوطن، وهذا الأخير ليس سوى مكان أو محل إقامة سواء أكانت هذه الأخيرة بشكل رسمي أو مؤقت، وكمثال: دوار تريات هو وطن لمن أقام به، ومدينة مراكش هي وطن لمن أقام بها، وكل يتعلق بما استوطن حتى تنتج لنا الوطنية، وهذه الكلمات ليست تعريفا للوطنية وإنما إيضاح وتبسيط لتطور الوطنية.
 
مصطلح الوطنية عند المجتمعات الغربية جاء نتيجة لمجموعة من التطورات المختلفة في مجموعة من المجالات سياسية وفكرية وغيرها، ومنه يمكن أن نقول بأن الوطن هو مجرد بلد ترتبط فيه جماعة من الناس تلتزم بسيادة الوطن، لكن مع تطور مستوى وعي المفكرين والفلاسفة والساسة، على رأسهم جون جاك روسو وجون لوك وفولتير ومونتيسكيو، قاموا بكسر شوكة الكنيسة والحد من تدخلها في الحياة العامة، وهنا جاء تدخل هؤلاء من أجل وضع نظم جديدة تربط بين الناس لا على أساس الدين والمذاهب الدينية التي غالبا ما تؤدي إلى سفك الدماء والتناحر، وأسسوا لمرحلة (العقد الاجتماعي) وهذا الأخير الذي يربط بين الحاكم والمحكومين، بحيث تكون لساكن الوطن حقوق قانونية دستورية يتوجب على هذا الحاكم احترامها.
 

لن أتراجع عن كرهي لهذه الدولة، وعندما أقول الدولة، لا أقصد شخصا بالذات، وإنما مجموعة من المؤسسات، وحقدي يزداد كل ما زاد عمري، ولسبب بسيط مجمل عائلتي وافتهم المنية من دون أن يعرفوا يوما ما معنى الحياة.

أما الوطنية في الاسلام وأستثني منها العرب (حاليا) لم أجد تعبيرا دقيقا خيرا من حديث حبيبنا صلى الله عليه وسلم مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل (الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالهر والحمى). بقراءة الحديث قراءة سطحية لا يمكن استنباط مظهر من مظاهر الوطنية بمفهومها الحالي، لكن رسول الله جعل الإنسان مركز الوطنية لا الرقعة الجغرافية، وبحيث تصبح الوطنية هي الرابطة التي تجمع الناس الذين يعيشون فوق الكرة الأرضية من دون استثناء عكس ما تم إحداثه من حدود وعراقيل التنقل التي تفصل الإنسان عن أخيه الإنسان، وبهذا يصبح الجزائري جزائريا والمغربي مغربيا والإسباني إسبانيا والفرنسي فرنسيا، وتم تقسيم وتشتيت الأمة وتشتيتها وإثقالها بالهموم، وحتى أصبح العالم لا يعمل بشكل موحد، ومع رسم الخرائط وعقل الإنسان لأخيه بالحدود أصبح الإنسان مسجونا في رقعة جغرافية معينة منطويا على همومه بشكل فرداني.
 
فالوطنية قبل أن تكون انتماء الفرد لمكان معين فهي فكر إنساني جوهره حب الخير والتضامن، أما الوطن فهو مجرد مأوى يتغير بتغيير المكان عكس أن تكون وطنيا، فالوطنية مفهوم شاسع لا يحصر في حب شخص معين بالذات، وإنما هو فكر ينعكس في تصرفات الفرد من أعمال وإنتاج بدون تمييز وبعيدا عن العنصرية والتعصب ومن غير حدود.
 
تتجلى الوطنية في فكر الوطنيين المغاربة في ثلاث كلمات لا رابع لهم "الله، الوطن، الملك"، شيء جميل أن تملك أفكارا كهذه، لكن العيب في تفعيلها على أرض الواقع الذي يقتصر في تبجيل شخص واحد وجهات ومؤسسات معينة، هنا نقع في قلب المفاهيم وتحريف المعنى الدقيق للوطنية وجعلها عبودية، نعم عبودية كلمة قاسية، لكن حقيقة عندما تقضي حياتك في الهامش وينتهي بك الأمر في الهامش، وترمى وسط حفنة تراب وأنت مجرد نكرة لا أحد يعير لك أي اهتمام، ستشعر بأن كلمة العبودية هي التعبير الأنسب.

في هذا الشق الأخير سأضع بين أيديكم نظرتي للوطنية من يوم ولادتي إلى اليوم، وجل تجاربي، لن أتراجع عن كرهي لهذه الدولة، وعندما أقول الدولة، لا أقصد شخصا بالذات، وإنما مجموعة من المؤسسات، وحقدي يزداد كل ما زاد عمري، ولسبب بسيط مجمل عائلتي وافتهم المنية من دون أن يعرفوا يوما ما معنى الحياة، لا أحد يعرفهم من غير بعض الأقارب في وقت موتهم، ومصارعتهم للمرض وويلات الفقر والتهميش، ومختلف أنواع الحرمان المادي والمعنوي، كانت رموز البلاد من وزراء ومسؤولين كبار يعيشون في بذخ في قصور.

أشعر بيأس شديد من مستقبل هذا البلد وأنا على يقين أن الأوضاع لن تتغير وستظل لوقت طويل على نفس الحال، وربما ستزداد سوءا لأن رأسمالها الذي أعدته هذه الدولة انتهى مند قرون.

أنا أجيد السخرية لأنها هي الدواء الوحيد الذي يسكن الألم الذي خيم بداخلي، إني أكرر على أن المشكل الأساسي ليس ماديا (فقر غنى) وإنما المشكل الحقيقي هو الكرامة والإنسانية، بحيث الدولة يقضي فيها الإنسان حياته ويموت من دون أبسط الحقوق أو التفاتة كيف ما كانت مرجعية هذه الدولة دينية أو لادينية عادلة، إمبريالية، استعمارية، مستعمرة مواطنيها تعمل بهم من أجل زيادة في ناتجها الداخلي الخاص تستحوذ عن ثراواثهم وعن حياتهم من دون مقابل.

أستغرب للأمر من يرددون شعارات الوطنية والحب في المناسبات الوطنية وإدمانهم على المواقع التواصل الاجتماعي، أظن إن كان الإنسان سويا في فكره ومستقلا لما استخدم عاطفة حب حقيقية لهذه الدولة، وجميع من يدافع عن فكرة حب الوطن والوطنية واعون كل الوعي بهذه الأشياء ويعلمون أنهم يكذبون من أجل تحصين مصالحهم لا غير.
 
أشعر بيأس شديد من مستقبل هذا البلد وأنا على يقين أن الأوضاع لن تتغير وستظل لوقت طويل على نفس الحال، وربما ستزداد سوءا لأن رأسمالها الذي أعدته هذه الدولة انتهى مند قرون ولا تزال تمشي في نفس النهج هو الأمية والتجهيل، والأمية عائق موضوعي ليس له حل إلا بالزمن، الأمية والتخلف هو المحرك الرئيسي الذي يذهب بصاحبه عكس مصلحته، وتغل عقله وطريقته في التفكير والتحرر، من أجل صنع التغيير والنهضة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.