شعار قسم مدونات

مجاعة الموصل لمن لا يعرفها

blogs - المجاعة في الموصل
يخرج من بين ركام القصف والمعارك أحد الناجين ويصرخ قائلاً: لم يتبق لدينا سوى القطط لنأكلها، وقليلاً من الطحالب والحشائش نغليها بالماء الحار ثم نمزجها مع الأحجار لتبدو أن معها شيء مشبع فنطعمها لأطفالنا دون أن يعلموا أن حشائش المزابل هي وجبتهم الأساسية . لكن الأمر الأسوء أننا لا نعرف كيف سيقاوم أهلنا الذين ما زالوا تحت الحصار والموت يوشك بانتزاع أرواحهم.

يدخل الموصليون عامهم الرابع تحت حصار تنظيم داعش الذي لا يرحم الفقير ولا الغني الصغير ولا الكبير، بل يحاول شد الخناق على ما تبقى من أحياء ما زالت غير محررة في الجانب الأيمن من المدينة، محاولاً عدم خسارة أخر شبر من معركته الأخيرة والحاسمة ربما في الموصل.

وتردنا الأخبار الناقصة أن أهالي الجانب الأيمن يستنشقون روائح الجثث المتناثرة للمدنيين في الشوارع، لكنهم لا يستطيعون الخروج وإنقاذ المصابين بسبب الصواريخ والطلقات التي ترفرف في الهواء، وتستمر القصص التي لا نعرف آلامها، فهنالك القهر يثقل كاهل الرجال، والنساء ذرفن الدمع حتى انتهى …لكن من سيشاهد هؤلاء البشر، وهل ما زالت الضمائر حية لتسمع نداء الاستغاثة.

هل يصبح الإنسان رخيصاً في بلداننا العربية، ولا يقدر بأي ثمن في بلدانهم الأجنبية.. سأترك الإجابة لسياسينا الذي جعلوا دماءنا أرخص من كراسيهم ومصالحهم السيادية.

العمليات العسكرية لتحرير المدينة:
تستمر عمليات تحرير مدينة الموصل وتدخل يومها الـ 200 في ظروف حرب قاسية بين القوات العراقية البطلة التي تبذل جهوداً جبارة وحررت 75 % من أحياء المدينة وفي الطرف الأخر تنظيم داعش الإرهابي.

الأمر المقلق للمراقبين والمتابعين هو تفخيخ التنظيم للبيوت الفارغة وتداخل المساكن القديمة والتصاقها بجدران البيوت الأخرى، وهذا ما يبطئ العمليات العسكرية ويؤدي إلى مزيد من الضحايا، إضافةً لاستخدام الناس كدروع بشرية من قبل داعش، وعدم إمكانية وصول الإعلام إلى أرض الواقع لشدة القصف الجوي من التحالف الدولي ولعدم تحمل الحكومة العراقية مسؤولية عرض جميع المشاهد المريرة التي يتعرض لها الموصليون، ونزوح أكثر من 286902 من الجانب الأيمن نحو مخيم حمام العليل حسب ما أعلنته لجنة المهجرين في البرلمان العراقي.

أثار المعارك وضياع الحقوق:
هذه المعارك الضارية بين الجبهتين حتماً ستخلف أضراراً في البيوت والممتلكات التي شيدها أبناء المدينة إلى 30 أو 40 سنة لكي يوفروا لأولادهم الصغار بيتاً متواضعاً يعيشون فيه بعد وفاتهم.. لا تقلقوا ليس مهماً ما يتم خسارته من الأشياء المادية فالحكومة العراقية ستعوض المواطنين وتصون حقوقهم.. سحقاً نكذب على أنفسنا لنواسيها قليلاً، فحكومتنا مشغولة بصراعاتها مع العالم أجمع ورئيس وزرائنا ينتظر إيران لتترحم علينا ونحن كالأدوات نترقب مصيرنا بقرارات من يتلاعب بحقوقنا، لما هذه الأحزان! دعونا نفكر بأرواح المدنيين التي تسقط كالأمطار النازفة فكم من يتيم خسر أباه، وكم من أرملة خسرت زوجها، وكم من إنسان ينتظر جنازته في مجاعة الحدباء.

موقف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي:
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس يوجه نداء فوريا لتقديم المزيد من المساعدات إلى أهالي الموصل، ويضيف أن برنامجه الإغاثي يتم تمويله بنسبة 8 % فقط من الميزانية لعام 2016، وتقوم بأخذ نسبة عالية جداً عند تنفيذها للمشاريع بما يقارب 70 % من إجمالي كلفة المشاريع، ماذا لو خفضت من نسبة عمولتها في تنفيذها لبرامجها لمعالجة الأزمات الإنسانية التي تفتك بالعراق منذ سنوات طويلة.

حتى تنتهي حكاية الإرهاب الممتد منذ احتلال أمريكا للعراق عام 2003 وحتى هذه اللحظة، سيبقى العراق ساحةً لتصفية الحسابات السياسية بين الدول الخارجية في المنطقة، وتبقى أمريكا هي محطمة الرقم القياسي في مسيرة التعذيب.

اطمئنوا لن تستطيع التنازل عن مصالحها لأنها ببساطة تعتبر العراقيين مثل الأعداد المتزايدة التي تريد التخلص منها هدفاً لتعميق الجراح، ثم إجبار المدنيين للتوسل بالمجتمع الدولي الذي هو الآخر يتلاعب بحقوق المستضعفين عندما لا يسمح بطرح قضية الموصل في اجتماعاته، ولا يلبي مطالبات السياسيين العراقيين حول إجراء تحقيق دولي بما يتعلق بالقصف العشوائي من قبل طائرات التحالف الدولي على منطقة موصل الجديدة، ويستمر هذا الصمت الدولي محاولاً إغلاق عينيه وتكميم فمه، وفي الجانب الأخر إذا قُتل شخص واحد في أمريكا أو أوروبا تشتعل الأرض ولا تنطفئ و يدوي صدى القضية في كل مكان.

هل يصبح الإنسان رخيصاً في بلداننا العربية، ولا يقدر بأي ثمن في بلدانهم الأجنبية .. سأترك الإجابة لسياسينا الذي جعلوا دمائنا أرخص من كراسيهم ومصالحهم السيادية.

متى تنتهي كارثة الجانب الأيمن؟
تاريخ ١٠/٦/٢٠١٤ يشهد بداية احتلال مدينة الموصل من قبل تنظيم داعش ونهاية أيام المدنيين الأبرياء في أحياء المدينة القديمة وسط احتدام المعارك بين القوات العراقية ومسلحي الإرهاب، وبقايا سيطرة التنظيم على 25 % من أحياء الجانب الأيمن الذي لا يزال ينتظر التحرير، ترافق هذه الأحداث المأساوية نداءات الاستغاثة بنفاذ الطعام تماماً وتلوث مياه الآبار وجفافها وإصابة الأطفال بالأمراض المعدية، وازدياد عمليات التفجير للبيوت من قبل داعش وسقوط المدنيين شهداءً راجين الفرج لأهلهم المحاصرين تحت وطأة الظلم والحرمان.

وحتى تنتهي حكاية الإرهاب الممتد منذ احتلال أمريكا للعراق عام 2003 وحتى هذه اللحظة، سيبقى العراق ساحةً لتصفية الحسابات السياسية بين الدول الخارجية في المنطقة، وتبقى أمريكا هي محطمة الرقم القياسي في مسيرة تعذيب العراقيين ومدينة الموصل مثالاً حصرياً للضريبة الإنسانية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.