شعار قسم مدونات

في فهم العلّة!

blogs - ناس في الشارع
"الغصنُ غضٌ، والسبيلُ طويل" لكلِ نتيجةٍ جملة من المعطيات التي تنم عن أسبابها وعلّة كينونتها الأخيرة، فالأداء محكوم بالمنطق السببي بشكله الطبيعي، ونحن كأمة متشرذمة، وذاتُ تاريخٍ متنازعٌ عليه، وأصحاب أفكارٍ مصلوبة من جميع الأطراف، لا بدَّ من سبب واضح لكلّ هذه السلبية التي نقبع تحت ظلها، ولا بد من أسبابٍ فرعية تتسع تحت السبب الرئيس لكل هذا التواطؤ في السوء.

وفي نظرةٍ ماحصة -وغير تخصصية- أرى أن العلة تنقسم في كل طبقة من طبقات هذه الأمة، وتتسع مع اتساع المسؤولية في كل طبقة، ففي الطبقة نرى نفوذًا واضحًا -ويقصد بالنفوذ هنا أي قدرة وسلطة أصحاب الطبقة فكريًا أوماليًا أو ثقافيًة أو حتى سلطة جهلية أيضًا- ونرى ازدواجية في العمل وفي الرؤى، وعدم وضوح في آليات العمل والتعامل.

السياسي يبني ما تُحيكه السياسة في عقله، مواربًا تغيراته وتناقضاته بعلّة المرحلة أو الموقف، ليطعن ويسقط ما شاء له من الشخوص والأفكار ما دامت لا توافق مرحلته وفركه، وصاحب الدين ينصب ذاته وصيًا لله على خلقه، يدفع الكفر في قلوب الآخر وكأنه اطلع على ما لا يحق له، ويسن السنن ويوجه المراكب وفقًا لفقهيتهِ التي يتبناها، ليسلط السيف على كل من عانده أو أبدى امتعاضًا على سيرورته في منهجه، وصاحب الفكر النير يرى ذاته منزهةً عن كل خطأ من أخطاء الأمة، وأنه صاحب السلطان النيّر والمطلق، الذي يفهم الأمور بالمستوى الأكثر دقة من غيره، وأن وعيه قد فاق ما فاق من فهم على مدار التاريخ ومدار المرحلة التي يشهدها، فيبدأ فاهمًا وينتهي ناقدًا لغايات النقد والامتعاض دون أي حلول شافية لحمى الأمة اللاعرضي.

لا بد من إعادة الذوبان بينَ كافة الفئات والطبقات في المجتمع، ليأخذ كل ذي مسؤولية مهامه ودوره في الوعي الحق، دون التقلييل أوالإنكار في حق الأطراف والمستويات الأخرى للعمل، وبهذا يتضح مفهوم الخطأ والحقيقة بشكل أوضح.

أما العامة فهم من الأمة الذين يتوهون في التصنيف بينَ طبقات التنويريين والسياسيين والدينيين، فهم يقصون أنفسهم عن كل مسؤولية وينصبون أنفسهم قطيعًا للآنف ذكرهم، فيمضي الشعب عن سلطته القوية في التغيير والإرادة إلى سلطة الاتباع والإقصاء، وبهذا تتواتر الأمور في البناء السيئ على كافة المستويات والطبقات، فتتوه المسؤولية ويضيع الصواب بينَ أقدام العامة.

التنصيب الأول الذي يتبعه الغيورين على حال الأمة في أن يكونوا وارثين حقيقيين للحقيقة دون غيرهم، هو علّة حقيقة وواضحة في صلب الأمة، ففي الولاية للحق أو الحقيقة هو إجحاف للمعنى العميق للمفهومين، وتسخيف لدورهما في الإصلاح والنهضة.

لذا لا بد من إعادة الذوبان بينَ كافة الفئات والطبقات في المجتمع، ليأخذ كل ذي مسؤولية مهامه ودوره في الوعي الحق، دون التقلييل أوالإنكار في حق الأطراف والمستويات الأخرى للعمل، وبهذا يتضح مفهوم الخطأ والحقيقة بشكل أوضح، فلا يمكن لمركبٍ أن يبنى دونَ أن يلوى بعضُ الواحهِ من الخشب. ولا أظن أن الثمارَ الناضجة تحملها الأغصان الغضة، ولا أظن أن النضج السوي لهذه الثمار يحتاج سبيلًا قصيرًا أو هينًا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.