شعار قسم مدونات

صلاة التراويح.. فوق الأنقاض!

A collapsed minaret is seen as Palestinians perform Friday prayers outside the remains of a mosque, which witnesses said was hit by an Israeli air strike during a seven-week Israeli offensive in Gaza City August 29, 2014. An open-ended ceasefire, mediated by Egypt, took effect on Tuesday evening. It called for an indefinite halt to hostilities, the immediate opening of Gaza's blockaded crossings with Israel and Egypt, and a widening of the territory's fishing zone in the Mediterranean. Israel launched an offensive on July 8, with the declared aim of ending rocket fire into its territory. REUTERS/Ibraheem Abu Mustafa (GAZA - Tags: POLITICS CIVIL UNREST TPX IMAGES OF THE DAY RELIGION)
أقبل رمضان والفرح ملأ الكون بقدوم هلاله، أعددنا جدولاً للأعمال والطاعات التي نرغب بها من أجل استغلال الشهر المبارك، ضيفٌ عَجول، جلست أنا وشقيقتي لنرتب ما نريد فعله، عند وصولنا لأماكن صلاة التراويح والتي تعتبر أجمل وأبهى طاعة ننتظرها من العام إلى العام، تأتي بعد لهفٍ وشوق، توقفت أقلامنا عن الكتابة، وتوقفت ألسنتنا عن الحديث، وكأن السؤال غريباً، أصبحنا نتساءل أيمر علينا هذا الشهر لأول مرة في حياتنا لنخطط له أين سنصلي التراويح، أخذنا ننظر في وجوه بعضنا البعض، بعد صمتٍ طويل نطقت أختي "كعادتنا سنصلي في أقرب مسجدٍ إلى بيتنا".

حدثت نفسي وكأنها قد جاءت بشيء جديد، كافة المسلمين يؤدون طقوس عبادتهم الدينية وصلاتهم في مساجدهم، حتى صديقاتي اللواتي أعرفهن ويبعُدنّ عن مكان سكننا، أعددنّ في خطتهن أسماء المساجد اللاتي يرغبن في الصلاة فيها لأنها ذات البناء العريق، وأكثرها تهوية تقيّهم حر الأجواء، وأكثرها هدوءاً بعيدةً عن ضجيج الأطفال وصراخهم، بحثن عن جدول الأئمة ليعرفنّ أندى الأصوات، ويؤدين عبادتهن بكل هدوء وحب وسكينة.

حاول أهل الحيّ أن يجعلوا الأرض  مستوية لكنهم لم يستطيعوا فحجم الركام والضربات التي قصف بها الاحتلال دور العبادة إبان عدوانه على غزة عام 2014 يفوق حد التخيل.

لكنني كنت أنا المختلفة فأي مسجدٍ قريب منّا بقيَّ لأصلي فيه، سأبني في قلبي مسجداً لأكابر فوق جراحي، وأبحث عن بديلٍ لأواسي ألمي بعد ثلاثة أعوامٍ على قصف الاحتلال الاسرائيلي مساجدنا، عشقي لمساجدي المجاورة لبيت سكننا يجعلني أفعل مثل أفعالهن ولكن دون بهجة وفرح في قلبي ودون المميزات التي وضعنها.

نظرت في عيون شقيقتي التي يبدو عليها الحزن على ما أصابنا، أخبرتها أن أهالي حيّنا "حي الشجاعية" لم يستسلموا كعادتهم صنعوا لنا خيمةً مكونةً من أعمدة أحاطوها بالنايلون فوق أرض مسجدنا "مسجد العائدون"، أرضٌ حاول أهل الحيّ أن يجعلوها مستوية لكنهم لم يستطيعوا فحجم الركام والضربات التي قصف بها الاحتلال دور العبادة إبان عدوانه على غزة عام 2014 يفوق حد التخيل، ووضعوا حصيراً فوق الأرض التي نقف فوقها في كل ليلة".

كابرنا على جراحنا وحبسنا دموعنا، وأسرنا قهرنا الذي يجتاحنا كل يومٍ على ما حل بنا، ذهبنا لنصلي أول صلاة تراويح، لم نتخيل أن يكون عدد المصليات من النساء بهذا الحجم الكبير، لم نر ملامحهن بفعل انقطاع التيار الكهربائي، أديّنا صلاتنا على ضوء خافت، نادى الامام ساووا الصفوف، ساويناها ولكنها كانت متعرجة، نعم متعرجة؛ تمنيت أن تكون مستوية ومعتدلة لتقبل صلاتنا كما ينادي الامام.

خشوع وركوعٌ وسجود؛ لكن أقدامنا الواقفة لربها لم تشتكي لوحدها على ما حل بها من تلك الأرض، فأيدينا الساجدة حين نضعها لحظة السجود لم تجد مكاناً آمناً، أصابعنا تنزعج من الحصى وبقايا الأنقاض التي تحتها، أما عن جباهنا التي نشعر وكأنها تسرّب لنا الأنفاس الأخيرة حين تخنقنا رائحة الغبار التي حاولنا القضاء عليها لكننا لم نستطيع.

أيدينا الساجدة حين نضعها لحظة السجود لم تجد مكاناً آمناً، أصابعنا تنزعج من الحصى وبقايا الأنقاض التي تحتها.

دعوني أخبركم أن السجود فوق هذه الأرض يجعلني أتنفس رائحة الصواريخ، رائحة الموت… لكن سرعان ما أرحل عن عالمي وأشكو إلى الله ظلم الظالمين والمتآمرين، وبطش المحتلين؛ لأستند من سجود أحاول أن أسترقَ هواءً نقياً من بين ثقوب الألواح الحديدية التي جعلوا منها حائطاً لمصلانا بديلاً عن مسجدنا الذي ينتظر البناء.

كم عليّنا أن نلعن بني صهيون في كل يومٍ لنعيد لأرواحنا بهجة حياةٍ كانت؛ تعيد لأنفاسنا هواء حيٍ كان مصدر الحياة، كم علينا أن نلعن كل من تخاذل وتآمر على غزتنا وعلى حيّنا قبل ثلاثة سنوات ليحوله ركاماً؟ ألا تكفي اللعنات في كل سجودٍ نستنشقُ به هواءً ممزوجاً برائحة الدمار وبقايا الأنقاض؛ لتعيد لنا الأوطان!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.