شعار قسم مدونات

دُعاة الحرب وأدعياء السلام

Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu (R) leaves the White House after a meeting with President Donald Trump in Washington, U.S., February 15, 2017. REUTERS/Carlos Barria

مهما بلغ الكتاب والمحللون من بلاغة وقدرة على التعبير فلن يتمكنوا من وصف الخطاب الذي ألقاه ترمب في إسرائيل بأفضل مما وصفته وزيرة العدل الإسرائيلية "آيليت شاكيد" حينما قالت بأنه خطاب صهيوني بامتياز، وهو ما أجمع عليه المحللون الإسرائيليون أبرزهم "إيهود يعاري"، حيث قال بأن ترمب جاء للمنطقة حاملا بطاقة تعريف مكتوب عليها أنا صهيوني، وأؤمن بالصهيونية، وسأعمل بناء عليها في سياستي الخارجية.

وليس أدل من ذلك حرصه على اختيار نخبة من المستشارين اليهود ذوي الرؤية الصهيونية اليمينية البحتة كصهره "جرالد كوشنير"، و"جيسون جرينبلط" و"فريدمان"، وقد انعكست هذه الرؤية بوضوح على خطاباته حينما وصف كل من يعادي إسرائيل بالإرهابي ولم يقتصر الأمر على ذلك بل هدد وتوعد كل من يتعرض لها بسوء سواء كانت إيران أو حزب الله أو حماس.

إن إسرائيل تحافظ على بقاء السلطة، وتطالب البنوك الإسرائيلية بمواصلة العمل معها لمنع انهيارها، لكن الأهم من ذلك هو إتاحة المجال لإسرائيل لسرقة ما تبقى من أراضي الضفة.

لكن أخطر ما ذكره هي الدعوة للاقتتال الداخلي ومطالبة زعماء العرب بطرد ما سماهم بالإرهابين من المساجد والمدن بدلا من تبني سياسة الاحتواء التي أثبتت فعاليتها في الحفاظ على سلامة المجتمع، وبدلا من مطالبتهم بالتركيز على التعليم وتعزيز الوعي للارتقاء بمجتمعاتهم وتربية الأجيال على أسس سليمة بل إنه كرر هذا المطلب ست مرات ووعدهم بتقديم المساعدة دون الاهتمام بمسألة حقوق الإنسان.

وهو ما يتشابه مع تصريحات نتنياهو ووزراء حكومته حينما طالبوا رئاسة السلطة بإعادة سيطرتها على غزة ونزع سلاح المقاومة كشرط لتحقيق السلام عدا عن موقفهم الثابت حول إيران إذ يسعى كلاهما لتحقيق عدة أهداف أهمها تعميق الخلافات والانقسامات وربط عمليات مقاومة الاحتلال بالعمليات الإرهابية التي تحدث في بعض دول العالم لتجنيدها وتجنيد بعض الدول العربية لتشديد الخناق على المقاومة في غزة وتجفيف منابعها تمهيدا لإخضاعها.

أما عن إيران فإن الهدف من تأجيج نار الفتنة بين السنة والشيعة فهو دفع الدول العربية لمحاربة إيران نيابة عن إسرائيل بعد أنُ كُشِفت سوأتها وعجزت عن تنفيذ تهديداتها على مدار سنين طويلة بضرب المشروع النووي الإيراني كما فعلت في السابق مع العراق وسوريا.
 
أما الحديث عن السلام فإن أقصى ما يمكن أن يحققه ترمب وإدارته الصهيونية هو إعادة الطرفين لساقية المفاوضات من جديد، إذ يكفي أن نشير إلى أنه لم يذكر حل الدولتين أو إقامة دولة فلسطينية ولو مرة واحدة خلال زيارته، بل ركز جُل حديثه على ضرورة العودة للمفاوضات وهو ما يتماشى مع رؤية أشد المتطرفين في حكومة نتنياهو وذلك بهدف استغلالها كمطية وجسر للوصول إلى قلب العواصم العربية.

ولتبرير تطبيع العلاقات معها بشكل علني في إطار ما يسمى بالتسوية الإقليمية أضف إلى ذلك استغلالها للحفاظ على التنسيق الأمني الذي يحفظ ظهر وقلب إسرائيل وهو ما يفسر ما قالته المحامية درشان ألتنير بأن إسرائيل تحافظ على بقاء السلطة وتطالب البنوك الإسرائيلية بمواصلة العمل معها لمنع انهيارها لكن الأهم من ذلك هو إتاحة المجال لإسرائيل لسرقة ما تبقى من أراضي الضفة بهدوء وتهويد القدس بالكامل.

أخطر ما ذكره ترمب هو الدعوة للاقتتال الداخلي، ومطالبة زعماء العرب بطرد ما سماهم بالإرهابين من المساجد والمدن بدلا من تبني سياسة الاحتواء التي أثبتت فعاليتها في الحفاظ على سلامة المجتمع.

وتمهيدا لتطبيق الخطة السرية التي أعدها مجلس الأمن القومي لتفعيل روابط القرى من جديد والتي بدأت ملامحها في شعفاط وكفر عقب فضلا عن تعزيز الجهود لترسيخ مفهوم السلام الاقتصادي الذي يقوده جرينبلط وكحلون ورغم ما ذكرناه آنفا إلا أننا لا نستطيع إلقاء اللائمة على ترمب أو نتنياهو اللذان استغلا الفرصة للهروب من الفضائح التي تلاحقهم وتعزيز شعبيتهم التي وصلت للحضيض من خلال عقد صفقات تجارية وسياسية مع الدول العربية.

لكن ذلك لا يعني تبرئتهم وإعفاءهم من المسئولية التاريخية لما لهذا التوجه العدواني من تداعيات سلبية على المسلمين لاسيما وأن مجلس العلاقات الأمريكي الإسلامي تحدث عن زيادة الاعتداءات على المسلمين في أمريكا بنسبة 50 بالمئة عما كانت عليه خلال عامي 2015و2016 كما أنه لا يتنافى مع قول الحقيقة التي ذكرها المحلل السياسي آراد نير بأن ترمب هو أكثر شخصية سياسية تحقد على الإسلام وتشوه صورته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.