شعار قسم مدونات

الأمازيغية بعد ربع قرن من ميثاق أكادير

Amazigh activists protest in the tourist city of Marrakesh, where the country is hosting the UN Climate Change Conference 2016 (COP22), against government policies they say are hurting local populations mainly in the rural areas, in Morocco November 12, 2016. REUTERS/Youssef Boudlal
شكل التوقيع على ميثاق أكادير سنة 1991، من طرف ست جمعيات مهتمة آنذاك بالشأن الأمازيغي، نقطة تحول هامة في مسار القضية الأمازيغية. كما كان بمثابة إيذانا بدخولها مرحلة العمل الجماعي بأرضية واضحة، بدل العمل الفردي المنعزل. وقد شكل هذا الميثاق/الوثيقة أرضية مهمة يمكن الوقوف عليها لرصد تحول الوعي والعمل على القضية الأمازيغية، خاصة وأن الميثاق جاء بعد ما يزيد عن ربع قرن على تأسيس أول إطار مدني مهتم بالأمازيغية، كما أننا اليوم نستذكر الميثاق بعد مرور ربع قرن على توقيعه، مما يتيح الفرصة لتلمس تطور القضية في مختلف أبعادها.

كما أن توقيعه يؤرخ لمرحلة فاصلة في مسار الحركة الأمازيغية. أما مقتضياته فهي حصيلة مكثفة لمجمل تجربتها المستمدة من عمل ثقافي طويل النفس تمتزج فيه النظرية بالممارسة، استمر من سنة 1967 إلى سنة 1991، متوجا بذلك مرحلة التأسيس عن طريق الاتفاق الجماعي على التوجهات العامة وعلى مجمل ملامح المطالب والتوجهات والتي لازالت في غالبتها ذات راهنية.

إن تقييم تطور خطاب الحركة الأمازيغية عبر العقود الأخيرة من الزمان شيء مهم وضروري، لتفادي ما يمكن أن يشوش على الأهداف والمقاصد التي رامت إلى تحقيقها عبر عملها المتواصل ونضالها المستميت. وهو ما يستلزم طرح عدد من الأسئلة الموجِّهة حول مستقبل الفكرة الأمازيغية في تطور وامتداد مسارها، ومسائلة كيفية وإمكان أن تتحول الحركة الأمازيغية إلى مزيد من الانفتاح؟ وتجنب التحول إلى حركة منغلقة أو إفراز فكر قومي؟ وقبل الخوض في صلب نقاش الميثاق، وجب التأكيد على الأهمية البالغة للعمل المدني الأمازيغي والذي شكل علامة فارقة في مسار القضية من خلال اشتغاله العميق على عدد من الإشكاليات والترافعات التي ما فتئ يجتهد فيها وهي التي أثمرت بلا شك كل هذه المكاسب التي تحقق للأمازيغية.

الأمازيغية اليوم في حاجة لتعبئة مختلف أطياف المجتمع وراءها، باعتبارها،  واجبا وطنيا، لا قضية فئوية تتدثر برداءات العنصرية وخطابات الكراهية، والاصطفافات الايديولوجية.

إن انتقال النقاش حول الأمازيغية ومتعلقاتها من خانة التهميش، إلى خانة النقاش العمومي والتمليك المجتمعي، لم يكن وليدة صدفة ولم يكن منحة، بقدر ما انتزع هذا الحق انتزاعا، وكان ثمرة نضالات وتضحيات واسعة من نساء ورجال مغاربة آمنوا بحقهم وحق بلادهم في امتلاك هويته كاملة غير منقوصة. وجاء النضال من أجل النهوض بالثقافة الأمازيغية بوصفه جوابا طبيعيا على الوضعية التي عاشتها الأمازيغية هوية ولغة وثقافة. هذا النضال أسفر بدسترة الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية للدولة في دستور 2011.

وفي مقابل هذا الحضور القوي للمجتمع المدني، نجد الغياب الشبه التام للأطراف الأخرى، خاصة الدولة والفاعلين السياسيين، وعدد من التيارات الأيديولوجية في المجتمع، حيث ظل ملف الأمازيغية لدى هؤلاء موضوعا هامشيا لم يتم الاشتغال عليه لا بمنطق حقوقي يستحضر أن الحقوق اللغوية والثقافية هي جزء من المنظومة الحقوقية، بل تم التعامل مع الأمازيغية للأسف بمنطق سياسي برغماتي موغل في منطق الربح والخسارة السياسية والتنافس الايديولوجي، في تجاهل تام لصدقية الموضوع وعدالته في ذاته.

بل أكثر من ذلك فالفكر السياسي التي تنتج منه الفكرة اليسارية والإسلامية على حد سواء، كان مختلطا بنزعات شرقية وبخطابات قومية كانت سائدة آنذاك والتصقت آثارها بتلك المشاريع، كما يمكن ربط هذا الغياب بضعف انفتاح هذه المدارس الفكرية على مفاهيم الحقوق الثقافية، والاقتصار فقط على الجيل الأول من الحقوق والتي تتعلق بالحقوق المدنية والسياسية وإن بنسب متفاوتة بين عائلة فكرية وأخرى.

لعل من أبرز الأفكار المركزية والمؤسسة التي تم تضمينها للميثاق هو التنصيص على وحدة الهوية المغربية في ظل تنوع روافدها، وهي الفكرة التي استلهمها المشرع المغربي وضمنها في ديباجة الدستور المغربي سنة 2011. وأجدني في هذا السياق وأنا أخط هذا المقال معتزا بسعة الأفق الوطني الأمازيغي الذي وعى مبكرا بأهمية الوحدة في ظل التنوع، لكن وجب التأكيد أن هذه الفكرة النبيلة بدأت في الانزياح، بعد ظهور خطابات عنصرية منغلقة تمتح من خطاب الأقليات العنصرية القومية، المتمركزة حول الذات.

وفي نظري هي خطابات أصبح الإعلام المخدوم يروج لها ويشجعها، ليس حبا في الأمازيغية ولا غيرة عليها بل لغرض في نفس يعقوب، هدفها تقديم الفكرة الأمازيغية النبيلة في منظر بشع منفر. وعليه يتوجب على كافة الغيورين على الأمازيغية الوقوف سدا منيعا أمام انزياح القضية في عدالتها لمثل هذه المنزلقات التي لا تخدمها بتاتا.

إن انتقال النقاش حول الأمازيغية ومتعلقاتها من خانة التهميش، إلى خانة النقاش العمومي والتمليك المجتمعي، لم يكن وليدة صدفة ولم يكن منحة.

وهذه الفكرة تحيلنا لقضية لا تقل أهمية عنها وهي الحركة الأمازيغية بين الثقافي والسياسي، والتي أعتبرها ميزة بارزة في مسار الحركة، حيث نشأت بأفقها الثقافي المتعالي على الإشكالات السياسية في بعدها الحزبي الضيق، وقد استطاعت الأمازيغية الدخول لمساحات هامة بهذه الميزة، واستطاعت، ولو بنسب متفاوتة، فتح جسور التعاون المثمر لخدمة القضية.

وفي هذا الصدد لا أخفي خوفي الشديد من الإدخال القسري للقضية الأمازيغية في متاهات التخندق الأيديولوجي المرتهن لأجندات خارج عن القضية وأهدافها النبيلة، وهي خطوات يتم العمل المستمر عليها من طرف جهات خفية بواجهات حزبية. هذا الفهم الواعي للقضية هو الذي أفضى لخلاصة أن الحوار بين مختلف مكونات الطيف الأمازيغي الوطني مع غيرها من مكونات المشهد المغربي، في شأن إعادة الاعتبار للهوية الامازيغية في المغرب واحترامها، لم يسلك طابع العنف والصدام المجتمعي.

رغم كل التشنجات التي كان تقع هنا وهناك، بل ساهم في هذه الدينامية تنامي تنظيمات المجتمع المدني، المتخذة من الأمازيغية مشروعا نضاليا، والتي استطاعت إضفاء بعد ثقافي على هذا الحوار، هذا الحوار الذي كان يروم إلى تمكينها من المكانة التي تليق بها في المنظومة التعليمية بما يسهل دينامية صون الهوية.

إن أهمية المسألة الأمازيغية هي كما قال ذات يوم الدكتور حسن طارق "أنها تعيد الانتباه، ونعيد من خلالها الاكتشاف الجماعي لمفهوم الوطن المتعدد والوطن المبني على هويات متعددة تحكمها الديمقراطية".

إن مستقبل الأمازيغية لا يمكن أن يصل مداه المنشود بدون مساهمة الجميع، من مؤسسات الدولة، وأحزاب ومسؤولين ومنظمات كمسؤولية وواجب وطني استراتيجي لا مكان فيه للتمييز بين الناطقين بالأمازيغية وغير الناطقين بها، يروم تحقيق مجتمع متوازن تضمن فيه حقوق المواطنة والديمقراطية، ومن شأنه في نفس الوقت ضمان استمرار المغرب التاريخي والحضاري في انسجام خلاق مع هويته الجامعة وحضارته المتجذرة.

لعل من أبرز الأفكار المركزية والمؤسسة التي تم تضمينها للميثاق هو التنصيص على وحدة الهوية المغربية في ظل تنوع روافدها، وهي الفكرة التي استلهمها المشرع المغربي.

في الختام يمكن القول أن الأمازيغية اليوم في حاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى الالتفات إلى عمق الإشكالات الحقيقية التي تخدم جوهر القضية الأمازيغية، والابتعاد عن هوامش القضايا وحواشيها. بل والنظر في المعنى والمبنى العميق لها، بدل الأشكال السطحية، والتي لا تخدم الأمازيغية في شيء، بل ربما قد تكون سببا في الاضرار بالقضية.

والأمازيغية اليوم في حاجة لتعبئة مختلف أطياف المجتمع وراءها، باعتبارها، كما أسلفنا الذكر، واجبا وطنيا، لا قضية فئوية تتدثر برداءات العنصرية وخطابات الكراهية، والاصطفافات الايديولوجية التي لا يمكن إلا أن تكون قاتلة لروح الأمازيغية الجامعة. فالمطلوب اليوم هو أن تصير الأمازيغية واجبا على كل المغاربة، وتحميلهم مسؤولية الحفاظ على جزء أصيل وأساسي من هويتهم، الأمر الذي لن يتأتى لا محالة إلا بخطاب معتدل متوازن، يستدمج خطاب الهوية والنضال من أجلها في تمازج خلاق مع خطاب الوطن الجامع لا المفرق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.