شعار قسم مدونات

هل أعطى الشاهد إشارة انطلاق محاربة الفساد؟

مدونات - الشاهد

هل أعطى الشاهد فعليا إشارة انطلاق محاربة الفساد؟ أم هي محض نزوة سياسية عابرة؟
منذ ما يزيد عن الست سنوات كانت مطالب الشعب الذي انتفض ضد نظام بن علي جد واضحة بداية من التقسيم العادل للثروات وضمان حرية وكرامة المواطن وصولاً للحرب على الفساد والفاسدين. حتى أن جل السياسيين انتهجوا في خطابهم السياسي منذ الانتخابات الأولى وإلى يومنا هذا على التشديد بضرورة محاربة الفساد باعتباره مطلب شعبي ونتيجة لاستفحال الفساد في تونس على مدى طويل وتغلغله السريع في مفاصل الدولة وأجهزتها مما أنتج ركود اقتصادي وتردي في نسب التنمية وأزمات سياسية أفرزت احتقان شعبي كبير..

وكانت الخطوة الأولى في محاربة الفساد بإحداث الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في 24 نوفمبر 2011 وذلك خلفا للجنة تقصي الحقائق عن الفساد والرشوة التي أنشأت مباشرة بعد الثورة التونسية في 2011، ولكن كان دور الهيئة آنذاك عرضيا نتيجة غياب إرادة حقيقية في محاربة الفساد.

رغم فرحة الشارع التونسي على إثر الإيقافات التي طالت رجال أعمال ممن شملتهم تهم فساد إلا أن عديد الوجوه السياسية المعارضة وعديد الفاعلين في المجتمع المدني رؤوا أن الأمر ليس سوى حرب عصابات تحت غطاء حكومي.

إيقافات فاجأت الرأي العام التونسي واستبشر لها
استفاق الشارع التونسي طيلة آخر أيام شهر مايو 2017 على خبر إيقافات بالجملة لعدد من رجال الأعمال والموظفين السامين في سلك الديوانة ممن شملتهم على مدى سنوات عديد الاتهامات في قضايا فساد ورشوة وأخرى تتعلق بالمس من أمن الدولة وشراء ذمم سياسيين، وشملت الإيقافات كل من المدعو شفيق الجراية رجل الأعمال والمدعو ياسين الشنوفي المترشح للانتخابات الرئاسية سنة 2014 والموظف السابق في سلك الديوانة ووضعهما تحت الإقامة الجبرية في مكان لم يتم الإفصاح عنه.

كما تم إيقاف رجل الأعمال خير الدين المؤدب والعقيد السابق بالديوانة رضا العياري والاحتفاظ بهما في مكان غير معلوم تحت الإقامة الجبرية وفق قانون الطوارئ في انتظار إحالتهما على فرقة الأبحاث والتفتيش بشبهة التورّط في التحريض على النيل من النظام العام والاعتداء على أمن الدولة الداخلي إلى جانب عدة قضايا أخرى..

الأمر ما هو إلا تصفية حسابات ضيقة لا غير
رغم فرحة الشارع التونسي على إثر الإيقافات التي طالت رجال أعمال ممن شملتهم تهم فساد إلا أن عديد الوجوه السياسية المعارضة وعديد الفاعلين في المجتمع المدني رؤوا أن الأمر ليس سوى حرب عصابات تحت غطاء حكومي واستندوا بذلك لعدم إيقاف كمال لطيف رجل الأعمال المؤثر في المجال السياسي والذي تجمعه صداقات مع قياديين في أحد الأحزاب الحاكمة في تونس، كما كانت له قرابة من عائلة بن علي وتشمله شبهة فساد مالي، كما له خلافات مع رجال أعمال أخرى وهو ما فتح باب التشكيك في مدى مصداقية الحكومة في حربها على الفساد وأن الاعتقالات لها علاقة بما جرى في تطاوين.

بالدولة القوية والعادلة تتحرر العقول والطاقات وينطلق الذكاء التونسي إلى الآفاق الرحبة خلق وابتكار وإبداع، ولكن ما يعلمه القاصي والداني أن الأمر ليس بالهين فالفساد في تونس جد متشعب فتصوره فقط يضعك أمام مشهد سريالي معقد حد الجنون.

ستكون حربا بلا هوادة ولن تنتهي بالتعادل
للديموقراطية أسس وركائز واضحة فقيام دولة القانون لا تكون إلا بعد القضاء على لوبيات الفساد، فإذا ثبتت الرؤيا في إعلان محاربة الفساد فسيكون رئيس الحكومة قد أعطى اليوم إشارة الانطلاق للدولة الديموقراطية المحترمة والعادلة والصارمة والقوية. هذه الدولة التي تأخرت لأكثر من ست سنوات عجاف وسبع حكومات عجزوا عن المحاربة حتى خلنا أنها لن تأتي، حتى صار بعضنا يتمنى الانقلاب ويترحم على دولة الاستبداد الماضية.

والدولة القوية العادلة هي دولة القانون التي ستؤسس حتما للتقدم والتنمية والازدهار والأمن والأمان. بالدولة القوية والعادلة نقطع دابر الفساد الذي يلتهم المليارات من ميزانيتنا لتغلغله في مفاصل الدولة ويكاد يلتهم المؤسسات والحكومات والأحزاب. وبالدولة القوية والعادلة تتحرر العقول والطاقات وينطلق الذكاء التونسي إلى الآفاق الرحبة خلق وابتكار وإبداع، ولكن ما يعلمه القاصي والداني أن الأمر ليس بالهين فالفساد في تونس جد متشعب فتصوره فقط يضعك أمام مشهد سريالي معقد حد الجنون.

وحدها الأيام القادمة كفيلة لتثبت لنا مدى صحة النوايا من عدمها ومدى قدرة الحكومة على محاربة الفساد الذي بات يشمل كل القطاعات تقريباً أم أن الأمر لا يغدو إلا أن يكون نزوة سياسية عابرة..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.