شعار قسم مدونات

هل رضوا عنك أخيرا يا عمر!

blogs - عمر عبد الرحمن
هل تحول النظام المصري فجأة إلى أم رؤوم تحتضن أبناءها حتى بعد وفاتهم ولا تتركهم يدفنون بعيدا عن تراب الوطن؟ أم أن وارء الأكمة ما وراءها؟ ألا يصدق على عمر عبد الرحمن والنظام المصري ما قاله عبيد بن الأبرص الشاعر الجاهلي:
لا ألفينك بعد الموت تندبني … وفي حياتي ما زودتني زادي.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يدفن فيها عمر عبد الرحمن! فقد دفن طيلة أربع وعشرين سنة في زنزانة انفرادية تعد عليه أنفاسه ـ وهو الشيخ الضريرـ  ولا يتمتع فيها بأدنى مقومات الحياة الآدمية، وقد تعالت الصيحات المنددة مرات ومرات في الولايات المتحدة وفي مصر وفي منتديات عالمية مطالبة بالإفراج عن الشيخ لأسباب متعددة، منها عدم ثبوت التهم الموجهة إليه، ومنها تدهور صحته ومنها غير ذلك، وكانت أكثر المطالب تواضعا تلك المنادية بإعادة محاكمته أو بقضاء ما تبقى من عقوبته على أرض الوطن، لكن التعنت كان واضحا من الجميع، وكان أكثرهم تعنتا النظام المصري ذاته الذي رشحت الأخبار مؤخرا أنه عرض عليه قبل ما يقرب من عشرة أعوام استقبال الشيخ الضرير، لكنه رفض بإصرار، وترك الشيخ ينزف الأيام يوما بعد يوم وتوالت على مصر الأنظمة المتعددة، لكن أحدا لم يحرك ساكنا.

اليوم تتم الإجراءات سريعة وسلسة ويتصل مستشار الرئيس شخصيا ليطمئن أسرته أنه سيتم تسهيل كافة الإجراءات حتى يدفن الشيخ في وطنه حسب وصيته. فما الذي حدث؟! يقول بعضهم إنها ضغوطات من الإدارة الأميركية على الجانب المصري الذي كان يفكر في رفض الجثمان، لكن الإدارة الأميركية لسبب أو لآخر ارتأت أن يدفن جثمان الشيخ في وطنه الأم، ولو افترضنا صحة ذلك فكيف نفسر هذه التسهيلات للاستقبال الحافل الذي حظي به جثمان الشيخ في المطار، وعلى جوانب الطرقات حتى وصل إلى مسقط رأسه وكان الآلاف في انتظاره ليشيعوه إلى مثواه الأخير؟

لو لم يكن للنظام هوى في مثل هذه الصورة الصاخبة؛ لتم الأمر في أضيق الحدود، ولتقبلت جموع الشعب المصري، ذلك لا سيما في ظل تلك الهالة الإعلامية الضخمة من التخويف والترهيب من كل ما هو إسلامي. إذن فلنبحث عن أسباب أخرى تكون أكثر تفسيرية لما حدث ـ على حد تعبير المسيري ـ رحمه الله ـ ، وهذه الأسباب تتلخص في تقديري في الآتي:

الآلاف من مشيعي الشيخ ومحبيه ومريديه هم في الحقيقة مشاريع إرهابيين مستقبلية تنتظر فقط الفرصة السانحة لتطل برأسها من جديد، ونتيجة لذلك فمن الخير لأميركا والعالم أن يظل هذا النظام العسكري على رأس السلطة في مصر إلى أجل غير مسمى.

1ـ رغبة النظام المصري والدولة المصرية القائمة في ترميم ما تناثر من شعبيتها في صفوف جماعات الإسلام السياسي والمتعاطفين معها، خاصة بعد ما يشاع عنها صباح مساء، من أنها أصبحت دولة معادية لكل ما هو إسلامي. ولعلها لم تكن مصادفة أن يخرج علينا أحد أقرب الصحفيين المقربين من النظام، وهو حمدي رزق بمقال يشبه حديثا وعظيا بليغا بما حشي به من حديث عن التسامح والإخاء والعفو عمن ظلم والإحسان إلى من أساء، مستدعيا نصوصا دينية ومواقف من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا علينا أن نقتدي بنبينا الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ في العفو والمغفرة واحترام هيبة الموت وجلاله وتنفيذ وصية الشيخ في إعادة جثمانه إلى أرض الوطن!

2ـ محاولة رد بعض الهيبة للدبلوماسية الخارجية المصرية بعد إخفاقاتها المتكررة في قضايا متعددة مثل سد النهضة، وقضية تيران وصنافير، وتسريباتها التي أتت على ما تبقى من احترام لها في نفوس المصريين، فجاءت قضية استعادة جثمان عمر عبد الرحمن بمثابة قبلة الحياة لهذه السياسة الخارجية المهترئة التي تمدها ببعض المقويات التي تضمن لها بعض التقدير والاحترام إلى حين، وإلا فأي دليل أقوى من قدرة الخارجية المصرية على استعادة جثمان أحد أشهر الإسلاميين (الإرهابيين على حد تعبيرهم) العالميين من أقوى دولة في العالم، وفضلا عن ذلك تم الأمر في يسر وسهولة بالغين!

3ـ إرسال رسالة خطيرة للنظام العالمي بقيادة أميركا مفادها أن الإسلام الأصولي ما زالت له قدم راسخة في البلاد، وأن هؤلاء الآلاف من مشيعي الشيخ ومحبيه ومريديه هم في الحقيقة مشاريع إرهابيين مستقبلية تنتظر فقط الفرصة السانحة لتطل برأسها من جديد، ونتيجة لذلك فمن الخير لأميركا والعالم أن يظل هذا النظام العسكري على رأس السلطة في مصر إلى أجل غير مسمى.

قد تكون هذه الأسباب حقيقية أو لا وجود لها في الواقع! لكنها في النهاية محاولة لتفسير موقف من التعنت كان مبهما في حياة الأسير الضرير، ولما زال بعد رحيله صار أكثر غموضا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.