شعار قسم مدونات

لم نعد نريد الفهم..

blogs - سعد الدين العثماني

لم نعد نريد الرجوع للتاريخ لفهم كيف تحدد الدولة مساحة تحرك الأحزاب والسياسيين بالمغرب.. لم نعد نريد البحث في سير السياسيين الذين أعدموا سياسيا بعد انتهاء دورهم أو الذين حاولوا القفز على الحواجز المرسومة سلفا.. لم نعد نريد الرجوع لتذكر التاريخ القديم، فما وقع بالقريب أعجز عقولنا الضعيفة! لذا لم نعد نريد الفهم أصلا.. فرحنا أخيرا أن البلد أقلع نحو الديمقراطية، أقلع نحو ممارسة سياسية سليمة، تحترم العقول، وتعفينا من البحث في قصص أحزاب وطنية قُزمت، وأخرى أنشئت، كيف تدخلوا في القرارات الداخلية للأحزاب ليزيحوا قيادات وينصبوا أدوات.. 

أخيرا ظهر من مثل إرادتنا وأشفى جروحنا، ظهر رئيس حكومة قال يوما أن زمن التعليمات انتهى.. وزمن التحكم انتهى.. فحجّم دور أناس كُنّا نحسب القوة عندهم، اشتغلوا كثيرا في الظلام ووراء الستار، اعتادوا إدارة الأمور بالمكالمات الهاتفية في أوقات مختلفة من اليوم، ومن أماكن مختلفة، إلى أن أخرجهم من جحرهم رويدا.. فمنهم من بحث له عن غطاء آخر، وآخر فضل التحرك بنفسه في المظاهرات أو آخرون على رأس أحزاب.. بدأت القصة حين وجدنا أنفسنا أمام عبد الإله بنكيران، رئيس حكومة فاق أقرانه السالفين، يخرج للناس محدثا إياهم في شؤونهم، بلغة واضحة يستسيغونها، ينتظرون ظهوره على التلفاز ليستمعوا له.. وحتى في المقاهي، أو يحجون إليه في مناسباته الحزبية.. نعم الأمر رائع كالأفلام الهوليودية، ولكنه مُرٌّ لدى آخرين، آخر النكت أرادوه أن يضع حاجزا بين أن يكون أمينا عاما لحزبه ورئيسا للحكومة.. لا تسألوني كيف.. فلا أدري حتى أني لم أعد أهتم..

طول مرحلته كرئيس حكومة كان للرجل فهم آخر لتجربته هذه، فقد كرس بتفان أن السياسة قيم ومواقف، ودمر مفهومها القائم على الامتيازات والمواقع، لم يخب ظن من صوتوا عليه طول مرحلة البلوكاج -العرقلة- المفتعل، دافع لتقوية التجربة وعن مؤسسة رئاسة الحكومة، انتصر لكبرياء الشعب في مواقف عديدة، أقواها بلاغ انتهى الكلام.. فشلت الدولة في إضعاف حزب العدالة والتنمية المغربي، في الانتخابات الأخيرة، فقد تصدر المشهد بحصوله على 125 مقعدا، يليه حزب الأصالة والمعاصرة المدعوم بكل أجهزة الدولة ب102 مقعد، ثم حزب الاستقلال أقدم حزب في المغرب ب 46 مقعد، ثم حزب التجمع الوطني للأحرار ب 37 مقعد، ثم الحركة الشعبية ب 27 مقعد، ثم أكبر المتضررين من سياسة زعيمهم حزب الاتحاد الاشتراكي ب 20 مقعد ونال الاتحاد الدستوري المرتبة السابعة ب 19 مقعد.. لكن بقدرة قادر 37 و20 هي التي قادت بلوكاج تشكيل الحكومة.. و20 هي التي نالت رئاسة قبة البرلمان.. ولإرضاء خاطر 37 فقد أعفي زعيم 125 وتبنى 37 ال 20 و19 وأدخلوهم معه الحكومة رغم عن أنف 125′.. وتريدون أن نستمر في البحث عن أجوبة للفهم؟؟

أعفي بنكيران متذرعين بفشله بتشكيل الحكومة.. وعين الدكتور سعد الدين العثماني القيادي في نفس الحزب بديلا له في تشكيل الحكومة.. قدم الحزب تنازلات غير مسبوقة ولم يخرج الرئيس الجديد إلى الآن لتفسير ذلك

أصبح عزيز أخنوش زعيم البلوكاج لتعسير تشكيل حكومة عبد الإله بنكيران، إذ أصبح الملياردير والمتربع على عرش الثلاث الأغنياء الأوائل في المغرب، ووزير الفلاحة منذ 2007 المعروف بابتعاده عن الأضواء مصدر إزعاج لمتتبعي الشأن السياسي.. هذا الذي وضع شروطا لتشكيل الحكومة كأنه رئيس الحكومة المعين.. فبد أن استقال من حزب التجمع الوطني للأحرار سنة 2012.. عاد وأصبح أمينه العام مباشرة بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية.. ففرض على رئيس الحكومة الذي كان تقدم تقدما واضحا، إخراج حزب الاستقلال من التحالف الحكومي وضم حزب الاتحاد الاشتراكي.. الأمر الذي جعله يصعق ببلاغ بنكيران الذي ابتدئه.. "بما أن المنطق يقتضي أن يكون لكل سؤال جوابا." وختمه ب "فإنني أستخلص أنه في وضع لا يملك معه أن يجيبني وهو ما لا يمكن للمفاوضات أن تستمر معه حول تشكيل الحكومة.".. علق عليها الملياردير مصدوما وكأنه لم يتوقع الصفعة.. لقد أشهر الرئيس في وجهنا البطاقة الحمراء..

انتصرت الدولة لأخنوش طبعا.. فهو أول شخص يستضيف الملك في منزله.. وهو الملياردير إمبراطور المحروقات.. الذي زادت ثروته فقط في 2016 ب 280 مليون دولار "تقريبا 280 مليار سنتيم"، وهو الذي استولى على 50 مليار درهم دون علم رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران ليتحكم في مشروع الدعم القروي للفلاحين وأشعل أولى المواجهات بينهما.. والآن هو رئيس حزب رأسمالي يضم عديدا من رجال الأعمال ويشترط على بنكيران ضم حزب اشتراكي !!

أعفي بنكيران متذرعين بفشله بتشكيل الحكومة.. وعين الدكتور سعد الدين العثماني القيادي في نفس الحزب بديلا له في تشكيل الحكومة.. قدم الحزب تنازلات غير مسبوقة ولم يخرج الرئيس الجديد إلى الآن لتفسير ذلك.. وأصبح يدور في أروقة السياسة أن دخول حزب الاتحاد الاشتراكي هو قرار سيادي يراعي المصالح العليا للوطن!! وأي وطن؟؟ وطن به شعب بوأ حزب العدالة والتنمية المركز الأول.. وعاقب حزب الاتحاد الاشتراكي الذي بالكاد حصل على 20 مقعد من أصل 395 مقعد، حزب أقسم أمينه العام بأغلظ الأيمان بعدم توليه أي منصب وزاري وبعد تحقيقهم الوعود له وتحقيق الضمانات التي قدمت له لدخول الحكومة اليوم أصدر بلاغا باسم حزبه يترجى فيه نفسه بالتنازل على القسم وتولي حقيبة وزارية!! 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.