شعار قسم مدونات

كيف تصبح كاتباً وعميقاً؟

مدونات - كاتب

كثيرون يسألون أنفسهم هذا السؤال "كيف أصبحُ كاتباً وعميقاً؟". والبعض يودُّ أن يُصبِح كذلك دون بذل أيّ جهدٍ أو قراءةِ الكتب والحصول على المعرفة. والحقّ أنّ هذا الأمر يملأ نفس المرءِ متعةً ونوعاً من اللذّة. فأن تُصبِح كاتباً أو إنساناً عميقاً يعني أن تحظى باحترام "العامّة" الذين ليسوا "كُتّاباً" أو "عميقين".

لم يعد الأمر صعباً هذه الأيام، فترى أعداد "العميقين" و"الكُتّاب" تزداد يوماً بعد آخر. وخصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وأخصّ بالذكر "الفيسبوك" فهذا الموقع لم يعد موقعاً للتواصل الاجتماعي، بل غدا مقهى كبيراً "للكتّاب العميقين". ما عليك عزيزي إلا أن تتبع النصائح التالية البسيطة، وتستطيع أن تسميّها "كيف تسبح كاتباً وعميقاً في خمس دقائق؟":

لكي تُصبِح "كاتباً عميقاً"، وهذه النصيحة أمرٌ أساسي جداً ولا يمكن أن تُصبح كاتباً أو عميقاً دونه، عليك أن تحتسي القهوة، فالقهوة هوية العميقين والكتّاب. واستخدم دوماً كلمة "يحتسي" أو "يرتشف" مع القهوة، فالعميقون لا يشربون بل "يحتسون" القهوة. وأيضاً لكي تُصبح كاتباً أو عميقاً ينبغي عليك أن تدخّن السجائر، لا يهم أيّ نوع من السجائر. ما عليك الا أن تحتسي القهوة وتدخن معها السجائر حتّى تكون خطوت أول خطوة في طريق الكتابة والعمق.

ابتعد عن الموسيقا الحديثة والأغاني العصرية. استمع إلى فيروز في الصباح وأم كلثوم في المساء، انتقد جميع أنواع الموسيقا الأخرى، فالكتّاب والعميقون لا يتذوقون إلا الكلاسيكيّة، الراقيّة منها حصراً.

حسابك على "الفيسبوك" يجب أن ينال قدراً عالياً من الاهتمام، فالفيسبوك هو المكان الأكثر انتشاراً الذي تجد فيه منافسيك العميقين. احرص على أن تملأ جميع بياناتك. وأن تضع صورة شخصيّة تُظهِرُ نصف وجهك فقط، ويستحسن أن تكون باللون الأبيض. منشوراتك يجب أن تكون غامضة، وقليلة، والأهم من ذلك احرص على تشكيل جميع الكلمات ووضع علامات الترقيم والنقطة في نهاية كل جملة. فالكتّاب العميقون لا يكتبون دون تشكيل جميع الحروف. ولا تستخدم الـ"Emoji" أبداً وخصوصاً التي تعبّر عن الضحك لأنّ العميق لا يضحك بتاتاً. والنصيحة الأهم هي أن لا تضع "لايكات" إعجابات لأحد لأنّك عميق وبعيد كل البعد عن ترهات وهرطقات العامّة.
 

استخدم في "كتاباتك" أو في حديثك كلماتٍ صعبة وغير متداولة لدى العامّة، مثل "أيديولوجيا – برغماتية – راديكالية – شعبويّة – الديماغوجية.. إلخ" وتحدث دائماً عن "البرجوازيّة – الطبقية – الرأسمالية – الاشتراكية – الشيوعية – الماركسية – البيروقراطية.. إلخ". وانسف جميع المصطلحات التي اعتدت أن تشتم الناس بها واستخدم عوضاً عنها "رجعي – امبريالي – سوقي – ساذج – سطحي – مُتخلّف.. إلخ". ولا تنسى استراتيجية "خالف تُعرف" فالكتّاب والعميقون يسبحون دائماً عكس التيار.

غيّر مظهرك الخارجي. ارتد سترة قماشيّة، بعيدة عن الموضة الحديثة. وطاقيّة جيفارا ونظارة (حتّى لو لم يكن لديك نقص نظر) لكي تبدو أنّك قارئ مخضرم. ولا تنسِ الوشاح (اللفحة) فإنّ العميق ليس عميقاً دون الوشاح (يُفضّل أن يكون رماديّ اللون). وأطلق لحيتك ولا تحلقها أبداً فالكتّاب والعميقون والمثقفون أيضاً يُطلقون دوماً اللحى (العصريّة) لا تسأل لماذا فلا أحد يعرف. يجب أن يوحي مظهرك الخارجي بأنّك حزين وكئيب، فالعميق يعرف سرّ الحياة وجوهر الحقيقة، لذا فهو حزين. ابتعد عن التقاط "السلفي" واجعل صورك دائماً باللون الأبيض والأسود وإذا سألك أحدٌ "لماذا؟" فقل له "أنت لا تُدرك عمق الصورة لأنك سطحي".

الموسيقا الكلاسيكيّة هي فقط ما يتوجّب عليك سماعه. ابتعد عن الموسيقا الحديثة والأغاني العصرية. استمع إلى فيروز في الصباح وأم كلثوم في المساء، ولا تنسِ كأس النبيذ على أنغام أم كلثوم. انتقد جميع أنواع الموسيقا الأخرى، فالكتّاب والعميقون لا يتذوقون إلا الكلاسيكيّة، الراقيّة منها حصراً. في غزلك يجب أن تتغنّى دائماً بـ"عينيها" أو "نهديها" واكتب غزلاً غير مفهوم، لن يفهمه إلا العميقون مثلك. فقل "عيناها" وخذ سحبة من سيجارتك ثمّ ارتشف رشفةً من فنجان القهوة الثقيلة، واصمت. لاحظ كم بتّ عميقاً!!

كثيرون هم الذين باتوا يدّعون العمق الفكري والثقافة والفهم، وقليلون هم المثقفون والكتّاب الحقيقيون. باتت هذه النوعيات تنتشر بكثرة بين الأوساط الثقافية والشعبية، ظنّاً منهم أنّ المبدعين والمفكرين أُناسٌ سُذّج مثلهم. هؤلاء الناس ليس هناك فرقٌ بينهم وبين البضاعات الصينيّة، فهي تنتشر في كلّ مكان ولكنّها رخيصة. فشتّان ما بين الكذّابين والتافهين والمنافقين الذين صدّعوا رؤوسنا بإبداعاتهم و"كتاباتهم" وعمق تفكيرهم، وما بين عظماء كـ "دوستويفسكي" و"باولو كويلو" و"جورج أوريل" و"غسان كنفاني" و"نجيب محفوظ" و"طه حسين" و"محمود درويش" وغيرهم مِن مَن لم يحضرني ذكر اسمه لطول القائمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.