شعار قسم مدونات

عندما رسبت في مادة

blogs امتحان

كلنا نمتلك طموحات وأماني كثيرة ولكن هيهات أن تحققت ونظل نلهث وراء أحلام لم تتحقق ويضجر من سعى ومن لم يسع، يكون الألم علينا قاسي جدا ولكن عندما نجد بجوارنا من يعاني أضعاف أضعافه تسكن الآلام فيكون المسكن بمقدار أضعاف الجرح.

أول ورقة في أحلامي المتساقطة كانت مع أول سعي كان بالنسبة لي هباءا منثورا، عندها اتسعت رؤيتي للعالم أن لا شيء يستحق، ربما أغلقت على نفسي وبدأت بالمذاكرة والسهر ولم يجدي ذلك معي نفعا فالمادة التي أبذل فيها قصار جهدي في لحظة أرسب فيها، وربما كانت معي بنتيجة عكسية لمزيد من الجهد حتى أدركت أنه لا بأس، ليس كل طلاب الهندسة يحصلون على علامات فتراجعت للوراء وبحثت عن طريقي الآخر.

 

وحدث بعدها كثير من الندبات فأمضيت وقتي أفكر لماذا يحدث ذلك، حتي نظرت مرة أخرى للعالم من حولي وجدت أن ليس كل ما نريد يتحقق، كنت مرة بالمسجد ووجدت إحداهن تبكي وتقص على صديقتها أن قوها ضعفت لما أيقنت أنها لن تحصل على من تمنته رفيقا لعمرها وأن لا سبيل لها بالعيش إذ كل شيء في حياتها أصبح لا قيمة له، فنظرت لها وهي تحكي أتكون تلك حقا قضيتك فيا ويلي إن استهزأت بها، فذهبت أخبرها أني رسبت في مادة وتوالي الندبات وأنت تُتمتمين بتلك الكلمات فاستهزأت هي بي وصرخت فما سكنت لها الجرح ولا هي سكنتني، ومع علمي أن كسر القلوب أشد من كسر العظام، لم أجد جدوى لتسكين جرحي من ذلك فكان الجرح علي أكبر، فلكسر القلوب درجات كما لجبرها درجات أيضا، وذهبت أبحث عن الأوراق المتساقطة من الأحلام.
 

عندها أدركت أن الرسوب في مادة ليس جرحا لنبحث عما يجعله يلتأم وما مقدار تفاهة ذلك الجرح، ربما كانت بمقدار تفاهة المجتمع ووضعه كل شيء في غير محله الأصلي، وإن الجرح الحقيقي أني أمضيت عمرا أرسب في نطاق الصبر الهين

وأن أصعب ورقة رأيتها تسقط هي أن تحمل الأم جنينها تسعة أشهر بتعب وترقب وقلق ويظل الأب يتعب ويكد طوال عمره ليصنع لابنه حياة كريمة، ويتعب الأبوين ليحققا له ما لم يتحقق لهما ويترقبانه بحب وأمل لأبوين حتى ذا أشتد عوده واستوى وراحت من الأبوين فرصة الإنجاب مرة أخرى، يروح الولد في غمضة عين وتروح معه كل تلك الآمال وهما يستغيثان الله، فيريهما ربهما حال من تآكل عظمه وليس معه أهل ولا أصحاب وليس له إلا الله فيذهبا يتعظان ويسمعان منه ما يسكن جرحهما حتى يقص عليهما حال الأوطان وما أصاب أهلها، فما أصعب فقدان الأحلام والآمال والصحة والمال والأهل والولد فكم من لاجئ نسي اسمه من هول ما حدث له بتلك البلدان، هناك فقط كل الفقد وعلى الدنيا السلام، اللهم أصلح لنا البلاد والعباد.

عندها أدركت أن الرسوب في مادة ليس جرحا لنبحث عما يجعله يلتأم وما مقدار تفاهة ذلك الجرح، ربما كانت بمقدار تفاهة المجتمع ووضعه كل شيء في غير محله الأصلي، وإن الجرح الحقيقي أني أمضيت عمرا أرسب في نطاق الصبر الهين، وأبذل طاقتي في ضياع ما ليس لي وعلى أي شيء نجزع وكل ما حولنا يدعونا لنفاذ الصبر ولكن الله يدعونا بأن نسعى والعوض منه وحده، فما كان من قصص الأنبياء والرسل إلا عبر نعيش عليها بتلك الحياة.

 

فلا فقدان شهادة ولا وظيفة ومال ولا أهل ولا نفس ولا ولد يدفعنا لنفاد الصبر، عندها فقط ندرك أنه ما فات شيء وألا نستسلم أبدا وأن يتكاتف كلا منا لإصلاح نفسه وأن يسعى ليفرج كربة أخيه فما أكثر الكرب بتلك الحياة، وأن الحياة قصيرة جدا لو التفت أحد منا للوراء لضاع منه مالم يتوقع فلنحمد الله ونسعى في أرضه لقضاء حوائج العباد وجبر خواطرهم وألا نستسلم للأسى وكلمات التحسر والندم وأن نعيد النظر في الأمور كلها لنبدأ مع أنفسنا من جديد فالحياة مدرسة كبيرة كل ما فيها يدفعنا للرسوب والنجاح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.