ومرة أخرى يعاود التنظيم تغيير المعادلة وفق نظرته، فيفجر كنيسة في مدينة أشبه بالامتداد القروي والتسالم الصوفي، مدينة طنطا بمحافظة الغربية، لتنقل الصراع من بؤر المدن المركزية والحدودية إلى المدن المنسية، لتعري النظام الأمني الذي رفع أقصى درجات التأهب دون أي نجاحات تذكر للقضاء على الإرهاب المحتمل.
وفي تسريب سيناء الأخير لقناة مكملين، أثبت التنظيم أنه الوحيد الذي يمثل تهديدا فعليا للنظام الحالي، مما جعله يرمي بالأعراف والخزعبلات التي نسجت عن وطنيته وجذوره من الوطن وللمواطن، لينقلب إلى جيش من الشبيحة يعوزهم بعض البراميل المتفجرة ليتضامن مع جيش البعث.
أيا كانت الحيثيات الشرعية التي يتأولها منظرو الدولة، فهي واهية شرعا وعقلا، لكنها تحدث دويا هائلا لا يفاد منه أهل السياسة والحراك الثوري. |
إلا أن إبداع الدولة الأكبر في قدرتها على تجنيد أفراد أحداث الأسنان دون التعليم المتوسط ودون ثقافة تأصيلية وعلم شرعي، لتصل بهم إلى درجات عليا في العسكرية والجاهزية ولتدربهم على أحدث الأساليب والتكتيكات، بما في ذلك الفريق الطبي والطاقم الإسعافي، كما ظهر ذلك في إصدار سابق، ولئن عزونا ذلك لقدرتها على اللعب بأوتار الصراع القبلي والثأر الديني ومحاولاتها الخروج من "الكربلائية الإخوانية المقيتة" كما تسميها إلى نطاق "فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ".
أضف إلى ذلك أن منظري الدولة وقد استنبتوا في الأساس بالعراق وسوريا، إلا أنهم يرون الساحة المصرية دون المستوى، فهم ند لأي قوى إقليمية ودولية، إذ خبروا الأميركان، فالعراق والروس في سوريا، وفي رصيدهم الفكري أن الانتفاضات العربية التي لم تنجح هي جزء من تأصيل منهج الجهاد والكفر بالطواغيت والأنظمة كحل أوحد لتحقيق الدولة وإقامة الخلافة.
أيا كانت الحيثيات الشرعية التي يتأولها منظرو الدولة، فهي واهية شرعا وعقلا، لكنها تحدث دويا هائلا لا يفاد منه أهل السياسة والحراك الثوري، ولئن كانت المكالمة الأولى لعصام الحداد مستشار الرئيس المنقلب عليه محمد مرسي مع آشتون عقب الإطاحة به، تتمركز حول جماعات العنف في سيناء، وأن اللعب في المسار الديمقراطي سيؤجج من أفعالها؛ إلا أن السياسة الخارجية تجيد اللعب بأوتار الإرهاب لأجل تفويض داخلي أو تمرير مشروع خارجي. نهاية الأمر، أن الدولة تعتبر مرسي والسيسي سواء، وأن دولتها باقية وستتمدد على أشلاء جنود نسميهم بالغلابة وتسميهم بالمرتزقة.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.