شعار قسم مدونات

خليل قنديل

مدونات - خليل قنديل

تعددت الأسباب والموت واحد وتعددت العناوين ولكن اسمك هو العنوان، اعتدت عند كتابة المقال أن أختار العنوان بحذر وأحاول جاهدا أن يعكس محتواه إلا أنك وببساطتك وعفويتك اخترت أنت أن يكون عنوان مقالي هذا هو اسمك فلن يكفي أن يكون "مات خليل" أو "الموت يغيب القاص خليل قنديل" أو "وداعا قنديل"، أعلم أنه كلما تم تخصيص الأمر كان أكثر قربا للفهم من عمومه إلا أنت فمن أراد معرفتك حق المعرفة فعليه أن يأخذ العموم لا الخصوص.
 

كتب الجميع كل حسب معرفته بك فالصديق كتب لك وعنك وكانت مظلة كلماته الصداقة وزميلك الكاتب كانت مظلته زمالة المهنة والقريب وإن لم يكتب تحدث عنك وكانت المظلة هي العائلة وصلة القرابة وكل مظلة كانت هي العنوان، ولكن كيف لي أنا أن أكتب وقد كنت أنت الصديق والرفيق والزميل والقريب والأب، كيف لي أن أصف حجم كل تلك المشاعر التي كنت دائم الصدق بها تجاهي وتجاه رفيقة دربك "خولة" وذريتك "خالد" و"ديانا" وحفيديك "صبا و مهند" فنحن الذين فزنا بالمظلة الكبيرة مظلة "خليل قنديل".
 

كل مجموعة قصصية لك "خليل قنديل" نعيشها الآن فما حدث جعل من حذائي ثقيل على تراب قبرك وأنا أحملك إليه حتى ترك وشما فيه لن يغيب.

لم أكن أعلم يا أبي أن ذاك السفح الجبلي في منطقة وادي السير لا زال متاحا بعد أن استودعنا به "رولا" لم أكن أعلم أن هنالك مساحة حرة لك ليست لأحد ولم يرها أحد وكأنك أنت الذي أخترتها عندما قمت باختيار قبرها قبل عشرة أحزان، وكأنك وعندما قمت بوصف هذا السفح كنت تعلم بأن للسفح جنة ليست لأحد بل هي لك أنت وكأنك وكما عودتنا على قوتك وصلابتك وروح التحدي عندك تقول هذا القبر لي فعشرة أعوام على موت ابنتي كفيلة بأن تعطني الحق بأن ارقد بسلام بجانبها.
 

أزعجتني جدا تلك العناوين التي وصفتك بأنك مت وأنا أعذر كل من أختار هذه العناوين ولكنك حقا لم تمت فنحن يا أبي ينتابنا شعور أنك في سفر بعيد ونعلم أنك لن تعود ولكننا وبصوفية أجدادنا نعلم أننا آتين إليك وسنحظى بالفوز العظيم، حتى أنني أخبرتك بالأمس وأنا أقف بين قبرك وقبر "رولا" أنك لم تمت حتى أنني ما شعرت أنك تحت التراب وأنا الذي حملتك وهنا على وهن بيدي ووضعتك تحته.
 

كل مجموعة قصصية لك نعيشها الآن فما حدث جعل من حذائي ثقيل على تراب قبرك وأنا أحملك إليه حتى ترك وشما فيه لن يغيب، ما حدث حقا جعلني ألتزم "الصمت"، ما حدث غير حالات النهار وجعلنا نرى زهر نيسان يجف وكأننا نراه بعين تموز، إلا أن تلك الشجرة القابعة خلف قبرك ستظل هي سيدة الأعشاب، وستبقى لك في قلوبنا مساحة حرة.
 

الآن وأنت الذي ترقد بسلام هناك بجانب ابنتك وقد تساقط عن كاهليك المرض والتعب وكتبت بروحك آخر قصة قصيرة لك حيث أن مثل هذه القصص لا يكتبها قلم ولا تتلقاها ورقة بل كتبها الألم وتلقيناها نحن، اسمح لي بأن لا أنهي كلامي كما أنهيته أنت برثاء "رولا" عندما قلت لها "لك الرحمة ولنا كل هذا الشقاء" بل لك الرحمة ولنا رب السماء فلا شقاء وأنت حي بنا، عشت قنديلا ومت قنديلا ولا زال زيت قنديلك مضيئ وسيبقى..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.