شعار قسم مدونات

بين الإلحاد والتوحيد

blogs - رجل في بوابة
هناك أشياء لا يجب إهمالها على هذا العالم الافتراضي فيسبوك كونه تسبب في لم شمل الملحدين في أرجاء الوطن، وفتح لهم نافذة ليتعرفوا على أشخاص آخرين يشاركونهم نفس الاعتقاد، لا أتخيل بأن في الماضي القريب كانت تتبادر إلى الفرد جزائري أفكار تقول بأن الصدفة هي من أوجدته أو أن الدين هذا ليس دين حق، طبعا هذا ليس سببه أننا كلنا على معرفة كلية بالدين وأننا أخذناه عن يقين تام، بل هذا بسبب أننا لا نعرف معنى الدين الحقيقي وهو بالنسبة لنا مجرد ممارسات وأفعال تعبدية، بالنسبة لي السبب الرئيسي لعدم ظهور مجموعات ملحدة في الجزائر من قبل هو الجهل، هذا لا يعني أنني فضلت الإلحاد عن التوحيد، لكن هذا يعني بصورة أساسية أن الموحد وراثيا لم تكن له قابلية التعرف على معتقدات أخرى بديلة عن التوحيد.

شخصيا لا أستطيع إحصاء عدد الملحدين الجزائريين الذين أعرفهم وهذا لكثرتهم، لكن ما لاحظته أن أغلبهم شباب في مثلي سني، وهذا منطقيا يعني أن إلحادهم كان مزاجيا أكثر من أي شيء آخر، لا أعتقد أن أي أحد في مثل سني يكفيه الوقت ليبحث في معنى الإسلام ويناقش كامل نقاطه ثم يقتنع بأنه دين خاطئ، عليه على الأقل أن يقضي نصف عمره في البحث ليصل لمرحلة يستطيع فيها الحكم والتخيير بين الإلحاد والتوحيد، ما ساعد هذا الجيل في التخلي عن الدين هو أنه وجد بعض الأشخاص يملكون فلسفة تفكير مغايرة تماما لما شهدناها عند رجال الدين، حيث إنهم يمتلكون أسلوب حوار مهذب تمكنهم من طرح الفكرة الجديدة، حتى تصنعهم بتقبل الرأي الآخر يكون في هيئة لا تسبب الإزعاج لطرف الثاني.

بين العبارتين "جهلي سر توحيدي" و"فايسبوكي سر إلحادي" هنالك فلسفة جديدة أراها تحاك في الأفق وهي بأن تتبنى الهيئة المسؤولة عن الإلحاد في الجزائر طريقا أخرى لمخاطبة الطفولة بدل الشباب عن طريق المدرسة، وبذلك ستسهل مهمة تقبل التنازل عن الدين في مرحلة يكون فيها الفرد فتيا باستطاعته التأثير أكثر فيمن حوله.

الواقع الآن بات مكشوفا على الكثير من الأفكار المقدسة من مجهولين لا نعرف حكمة قدسيتهم، لذلك وجب طرح فكرة البحث عن الدين بحثا صحيحا وعدم جعله من المسلمات لا أكثر.

قرأت ذات يوم عبارة شدتني وجعلتني أعيد صياغة أفكاري من جديد وهي لعالم الاجتماع والمؤرخ علي الوردي من كتابه مهزلة العقل البشري، وهي أن الله أعدل من أن يختار لنفسه فريقاً من الناس دون فريق.

حقيقة هذه العبارة تملك معنى عميقا، لكن بالنسبة لي هنالك ما هو أعمق منها ووجب أن يرفق طرح التخيير مع جانب الإنسان أيضا، حيث إن الفريق مخير وليس مجبر، ودائما عندما أطرح مصطلح التخيير تراودني تساؤلات حول حقيقة التخيير هذا، هل نحن مخيرون كليا أم فقط هي بضع من حرية داخل تنظيم كبير من التحكم، الجواب الشافي الذي دائما ما أجده هو أننا مسؤولون على القرارات التي نأخذها وندرك أننا مسؤولون عليها وليست قرارات نفذناها هكذا فقط بدون وعينا، لذلك سنحاسب على قناعتنا نحن بعيدا عما يعتقده غيرنا ويقتنع به.

في الأخير كوننا ورثنا الدين عن أجدادنا لا يعني بالضرورة أننا اخترناه، ولكي يكون استعمال هذا المصطلح صحيحا في محله وجب علينا إرفاقه بمصطلح الاقتناع الكلي الذي لا شك فيه، وفي هذا الوقت بالتحديد وجب تجديد الفتوى الإسلامية وانتقاء خطاب ديني يستهدف المثقفين والنخبة قبل العامة لأنك لو حصلت على تأييد مثقف فأكيد ستفوز بعشرات العامة معه، ولو حصلت على تأييد واحد من العامة فستحصل فقط على معنى الدين الوراثي في الأجيال اللاحقة مجرد من امتيازات إعمال العقل، الواقع الآن بات مكشوفا على الكثير من الأفكار المقدسة من مجهولين لا نعرف حكمة قدسيتهم، لذلك وجب طرح فكرة البحث عن الدين بحثا صحيحا وعدم جعله من المسلمات لا أكثر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.