شعار قسم مدونات

النقاشات الإلكترونية

Ask.com Chief Executive Jim Lanzone speaks during the Reuters Global Technology, Media and Telecoms Summit in New York, May 14, 2007. REUTERS/Keith Bedford (UNITED STATES)
غَدت وسائل التواصل الاجتماعي من أكبر البوابات وأسرعها لنشر المعرفة ونقلها للغير، خاصةً أنها ضمن تطبيقات يحتويها الهاتف الذكي الذي قد لا يُفارق أحدنا إلاّ لفترات قصيرة. ومن الطبيعي جداً بل من البديهي أن يُرافق ذلك الحِراك المتأجج ضمن تلك المواقع القليل أحياناً وربما الكثير غالباً من النقاشات، فالمجال مُتاح للجميع لإبداء الرأي.

النقاشات التي قد تطول أحياناً وتتفرع وتنحني ليكتشف من ناقش ومن نوقش أنهما ابتعدا عن الفكرة الرئيسية، وفي النهاية لا وجود لفكرة جديدة فكلٌ متمسّك برأيه، ولا أنكر أن بعض تلك النقاشات قد تحتوي على قدر من الحقائق والمعلومات قد تثري مخزوننا المعرفي. تجد غالباً من يساعدك فعلياً في تصحيح معلومتك، أو ربما إثراء ما قمت بطرحه فعلياً، وربما تغيير رأيك في موضوع ما من خلال طرح الحقائق، وهنا يجب أن نتوقف عند سؤال.

إن اكتشاف انحيازاتنا المعرفية عن الحقيقة كفيلة بأن تجعل قراراتك أكثر صواباً، وبالتالي أكثر قرباً من الحقيقة، حتى وإن تعارضت مع قناعاتنا الشخصية.

ما هدف من قام بذلك؟ أقصد هنا من قام بالتصحيح والإثراء والنقاش، هل كان يرمي إلى إفادتك وبالتالي إفادة الجميع؟ لن أسيء الظن بأحد، إلاّ أن التعليقات وما يتبعها من جدال لها أساليب كثيرة، وأكثرها استخداماً هو أسلوب (تصيّد الاخطاء) ، اليس كذلك؟ وهذا أمر طبيعي أيضاً، فموضوع تصيّد الأخطاء قديم قِدم وجود الإنسان، فما هي إلا طبيعة بشريّة داخل الجميع، الفرق هنا أن هناك من يحتفظ بتلك العثرات لنفسه وهناك من يُعلنها للملأ.

ألم يتبادر إلى أذهانكم خطبة "زياد بن أبية" التي أسموها البتراء لأنه لم يبدأها بالحمد والثناء على الله! نعم هو تصيّد الأخطاء يا سادة والأمثلة كثيرة. حسناً، من أين يأتي متصيدوا تلك الأخطاء بمعرفتهم في خضم هذه المعلومات المهولة في مختلف العلوم والمعارف؟ نعم، صحيح أنها تقنية (الويكي) wiki والتي تعني تقنياً تلك البرمجيات التي تم ابتكارها لإدارة صفحات المعرفة وتعديلها، الصفحات الشبيهة بموقع ويكيبيديا المشهور.

الجميل أن كلمة wiki تعني بلغة هاواي (السرعة الفائقة) وهذه الميزة وهي السرعة كانت رديفا قويا لمحبي تصيّد الأخطاء وجلب المعرفة واستخدامها. الجميل أكثر أن مطوّر هذه التقنية ويدعى وورد كانينغهام قال كلمة نابعة من خبرته تحولت إلى قانون يحمل اسمه، "قانون كانينغهام" والذي يقول فيه ( إن أفضل طريقة للحصول على الإجابة الصحيحة على الانترنت، هو عدم السؤال عنها وإنما نشر الاجابة الخاطئة).

هذا القانون يُشير إلى أن الأغلب لن يهتم بمساعدتك فعليا بقدر اهتمامهم بأن يظهروا بمظهر العارفين بالأمور، لترك انطباع عنهم أنهم ممتلئي معرفة، ومثقفي الخلفية. وتقودني الكلمات والأفكار لموضوع آخر قد يكون جزءا مهما وكبيرا من الفكرة الرئيسية، ألا وهي (الانحياز المعرفي) والذي نوعا ما يطرح فكرةأان العقل ينمّي قيودا عقلية محددة هدفها ان تُظهر لمن أمامك أنك مميّز بثقافتك ومعرفتك للأمور.

"قانون كانينغهام" والذي يقول فيه (إن أفضل طريقة للحصول على الإجابة الصحيحة على الانترنت، هو عدم السؤال عنها وإنما نشر الاجابة الخاطئة).

فعلياً، المشاركين في أي نقاش كان، خاضعين للانحياز المعرفي بطريقة أو بأخرى، ومن الصعب جداً أن نُميّز أو نلاحظ ذلك بأنفسنا. نحن نغيّر الحقائق بناء على نظرتنا للأمور وليس بناء على الحقيقة المختبئة خلف كلماتنا السريعة والغاضبة أثناء النقاش، وكلما زادت انحرافاتنا المعرفية عن العالم، كلما ضاقت وقلّت حقيقة ما نعرفه عن هذا العالم.

إن اكتشاف انحيازاتنا المعرفية عن الحقيقة كفيلة بأن تجعل قراراتك أكثر صواباً، وبالتالي أكثر قرباً من الحقيقة، حتى وإن تعارضت مع قناعاتنا الشخصية. 
يقول "كونفوشيوس" (المعرفة الحقيقية أن تعرف مدى الجهل الذي تعيشه ويعيشه الآخرون). وبمجرد نهاية أي نقاش قد نكاد لا نجد وصول المتحاورين إلى نقطة التقاء، أو ربما حل للمشكلة الرئيسية، وإنما زيادة الشحناء بينهم والخصام. في النهاية تذكّر أثناء النقاشات أن تسيطر على تلك الحقيقة التي رغم وضوحها الصارخ،إلاّ إنها قد تكون خلف غيوم سوداء رسمتها عقولنا وهماً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.