شعار قسم مدونات

الأردن وحرب الجنوب السوري

blogs الأردن

بعيداً عن التراشق الإعلامي بين النظام السوري والمملكة الأردنية الهاشمية حول الدخول في حرب برية ضد التنظيمات الإرهابية المتواجدة في الجنوب السوري والتي باتت تشكل خطراً أمنياً وقلقاً متزايداً على الأردن. وبعيداً عن الجذور العميقة التي استدعت فكرة التدخل وزادت من سخونة الأوضاع وحدتها، فإنّه في خلفية المشهد خطر وقوع مواجهة عسكرية محتملة عبر الحدود بين البلدين، على الرّغم مما يشاع من أنّ هذا التدخل – بحسب خبراء عسكريين – لن يكون أكثر من فكرة تأمين الشريط الحدودي أو ما يسمى بالمناطق الآمنة.

وتؤكد تصريحات الملك عبد الله الثاني يوم الأربعاء (26/4/2017م) خلال لقائه مع مجموعة من الوزراء والصحفيين من أنّ الأردن: "لن يسمح للتطورات التي تجري في الجنوب السوري بتهديد الأردن وأنّ لدى عمّان كامل القدرة والأدوات للتعامل مع أي مستجد حسب أولويات المصالح". وتتفق هذه الرؤية مع الرؤية الأمريكية التي تسعى لاستئصال داعش حمايةً لمصالحها ومناطق نفوذها في الشرق الأوسط، ويجد الأردن في الرؤية الأمريكية سنداً وداعماً له، مما يشعره بحالة من الطمأنينة وعدم القلق على مستقبله في ظل ظروف إقليمية صعبة.

إنّ المفاوضات التي الدائرة بين أمريكا وروسيا في الملف السوري حول تقاسم مناطق النفوذ والمقايضات التي تحدث من تحت الطاولة لإيجاد حل سياسي يرضي الطرفين لن يكون سهلاً ومريحاً في المنظور القريب

غير أنّ أمريكا صاحبة السياسيات المتلكئة والغامضة قد تترك الأردن وحيداً في مواجهة خطر التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، ففكرة "المناطق الآمنة" على الحدود السورية الأردنيّة التي ناقشها الملك عبد الله الثاني مع الرئيس الروسي بوتين خلال لقاءٍ جمعهما في موسكو قبيل زيارته الأولى لترمب، وكان الأخير هو من طرحها في بداية عهده ما لبثت أن تلاشت تدريجياً من خطاباته مما يشي بعدم الاطمئنان للسياسة الأمريكية وعدم الجدية في أطروحات الحل السياسي وفق المقاربة الأمنية.

كما أنّ المفاوضات التي الدائرة بين أمريكا وروسيا في الملف السوري حول تقاسم مناطق النفوذ والمقايضات التي تحدث من تحت الطاولة لإيجاد حل سياسي يرضي الطرفين لن يكون سهلاً ومريحاً في المنظور القريب، فهما على تجاذبات وتناقضات مختلفة وإن اتفقا في ملف الصراع على محاربة التنظيمات الموصوفة بالإرهابية. فأمريكا تسعى إلى تغيير الخارطة السورية وفق مصالحها – ويؤيدها في ذلك الحليف الأوروبي – وفي المقابل لن ترضى روسيا وحلفائها بأنّ تكون الجغرافيات الحيوية في مناطق مرور خط أنابيب النفط والغاز الخليجي أو النفط العراقي خارج سيطرتها. وهذا بدوره قد يزيد الأمر سخونة وحدّة إذا ما استعصت الحلول السياسية لتكون لغة الحوار هي لغة القوة على الأرض وبالتالي الزّج بالأردن في هذه الحرب وإن كانت على نطاق محدود .

إنّ استراتيجية الأردن في التعاطي مع الجنوب السوري وفق تصريحات الأردن الرسمية قائمة على عملية سياسية تهدف إلى تحقيق الاستقرار وتسمح بعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، إلاّ أنّ ضبابية المشهد السياسي خاصة مع اللاعبين الكبار غير مطمئنة

ومن المؤكد أنّ الأردن إقليمياً يحتل دوراً هاماً وحيوياً ولا يمكن تجاوزه وهو الملاصق في حدوده مع سوريا من درعا وحتى الحدود العراقية، وينتشر على طول هذه الرقعة فصائل مسلحة محسوبة عليه -عشائر الجنوب السوري، وغرفة عمليات الموك – وتعتبر أوراقاً في صالح الأردن، لكن في المقابل تحتفظ إيران بأوراق ضغط أخرى تتمثل في الحرس الثوري وميليشيا حزب الله التي ترابط قواتهما على مقربة من الحدود الأردنية وتثير حالة من القلق وعدم الارتياح لدى الأردن ويتداخل مع هذا الموقف المعقد تفاهمات بين عمّان وموسكو حول احتواء الموقف من الانزلاق إلى أتون حرب محتملة، وليس واضحاً فيما إذا كان من الممكن إرساء هذه التفاهمات وتطبيقها على أرض الواقع في ظل احتدام لغة المواجهة بين موسكو وواشنطن من جهة، وبين معارضة الإيرانيين لفكرة المناطق الآمنة من جهة أخرى، والتي يرون فيها تحجيماً لدورهم على غرار ما حدث في الشمال السوري عندما نفذت تركيا في آب الماضي عملية "درع الفرات" ضد تنظيم الدولة وقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية.

وصحيحٌ بأنّ استراتيجية الأردن في التعاطي مع الجنوب السوري وفق تصريحات الأردن الرسمية قائمة على عملية سياسية تهدف إلى تحقيق الاستقرار وتسمح بعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، إلاّ أنّ ضبابية المشهد السياسي خاصة مع اللاعبين الكبار غير مطمئنة وغير مريحة فمن يضمن تحقيق هذه الاستراتيجية التي تذهب لها عمّان إذا ما اختلطت الأوراق وتكشفت النوايا، فقد تكون المآلات غير محمودة على الأردن أرضاً وشعباً مع بداية مسلسل "الحسم الجنوبي". ليبقى الباب مشرعاً لما ستأول إليه الأمور على السياسة الأردنية ضمن لعبة المصالح، فهل تملك عمّان أوراقاً رابحة تجعل الأمور في صالحها أم أنّها ستضطر لتقديم الكثير من التنازلات على حساب أمنها واستقرارها؟!!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.