شعار قسم مدونات

أنا بروفيسوركم الأعلى

blogs موظف
لقب البروفيسور أو "الأستاذ" يعني الوصول إلى درجة علمية مميزة يعدّها البعض أعلى درجة في السلم العلمي ويُنظًر إلى هذا اللقب من زوايا متعددة تختلف حسب البيئة والخلفية الثقافية، ففي معظم الدول الغربية يُعدّ البروفيسور شخصاً مجتهداً ما يزال يتعلم ويتدرج في تخصصه فهو إنسان يصيب ويُخطئ ويؤخذ منه ويرد عليه وذلك وفق القواعد العلمية المثبتة؛ حيث إن المعيار هو الدراسات العلمية وليس الرأي الشخصي.

أما في الشرق عموماً وفي العالم العربي تحديداً فالصورة مختلفة تماماً، فالبروفيسور عندنا هو العالم الجهبذ الملهم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا من أمامه وهو يعتبر ما ينطق به كالمنزَّل بل يتعدى الأمر ذلك كله ليصبح رأيه هو "الميزان"، وبالتالي تتضاءل أهمية الدليل العلمي أمام رأي البروفيسور، مما يعنى قلب الواقع رأساً على عقب، وبالنتيجة قلب المفاهيم.

أذكر أني -ذات يوم- كنتُ أحضر محاضرةً لبروفيسور عربي في دولة شقيقة وحديثه كان عن نقاش دار مع بعض زملائه وطلابه حول حالة مريض وقال: لقد أعطيتُ رأيي فاستغربه بعض أعضاء الفريق الذين اعتبروا رأيي غير موافق للدراسات العلمية، فرددتُ عليهم (والكلام للمحاضر) "إن هذا ما يفعله البروفيسور" وانتهى النقاش!! أحسستٌ في كلامه النشوة والتباهي بأن قوله قد أفحم الآخرين.

لقب البروفيسور ما هو إلا درجة علمية تخص صاحبها في المقام الأول والأخير مع التنويه إلى أنها مؤشر على اجتهاده وليس عصمته أو كماله.

لقد أصبح لقب البروفيسور في بلداننا -بكل أسف- طريقاً للشهرة ومركباً للتفاخر والتعالي فترى من يحصلون عليه لا يقيمون وزناً لأي رأي آخر فما يقوله البروفيسور "الأنا" هو الحق المبين الذي لا يجوز نقاشه ولا الحياد عنه.

عندما أتممت دراساتي ثم عملت في الولايات المتحدة رأيتُ كيف يتصرف ويتعامل البروفيسور هناك، فهو شخص عادي يستمع لآراء الآخرين ويناقشهم ولا يخجل من الخطأ أو الجهل بالمعلومة بل يعدك بالبحث والرجوع إلى الإجابة عند حصول أي خلاف علمي معه، ولقب البروفيسور هناك يتم تداوله على نطاق ضيق جداً لا يتعدى في كثير من الأحيان التعريف بالمحاضر عند إلقاء محاضرة أو عند توقيع رسالة رسمية أما في بلداننا وعلى الرغم من تخلفنا العلمي والهوة الواسعة بيننا وبين الغرب فإنك ترى العجب العجاب في توصيف حالة "البروفيسورية".

فالبروفيسور عندنا لا يتحرك أو ينطق إلا واللقب معه يوزعه ويزرعه أينما حل! فهو يتوقع أن يُنادى به ربما حتى في منامه فإذا حدث وذكرتَ اسمه مسبوقاً بلقب "دكتور" وليس بروفيسور في محاضرة أو ندوة أو غير ذلك فأنت في عرفه على القائمة السوداء التي لا شفاعة لها، ولن تنفعك حتى التوبة النصوح.

لقد تناسى هؤلاء القوم أن العلم لا يُقاس بالألقاب بل إن الميزان الحقيقي هو الرجوع إلى الدراسات العلمية المبنية على البراهين وليس على الآراء الشخصية الناجمة عن الخبرة فقط فالفيصل في النقاش العلمي والتحاكم إلى الحق هو الدراسات الموثقة وليس الدرجة العلمية والخبرة؛ فلقب البروفيسور ما هو إلا درجة علمية تخص صاحبها في المقام الأول والأخير مع التنويه إلى أنها مؤشر على اجتهاده وليس عصمته أو كماله.

وختاماً لا يسعني إلا الرجاء بأن يعي البروفيسور العربي أنه إنسان يصيب ويخطئ وأن حدود العلم لا تقف عنده، وأتمنى أن يتقبل النقاش من الجميع بغض النظر عن الدرجة أو اللقب، وتحضرني هنا المقالة الجميلة لفقهاء المسلمين الأوائل " يُعرَفُ الرجال بالحق ولا يُعرَفُ الحقُ بالرجال".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.