شعار قسم مدونات

سيكولوجية المشجع العربي

blogs - مشجعين
عام 1976 نشرت الجمعية الأمريكية لعلم النفس APA دراسةً للسلوك الإنساني فيما يعرف "الفرح بالمجد المنعكس" أو Basking in reflected glory أجراه عدة أطباء ومختصين على مستوى علم النفس، منهم د.روبيرت كيالديني، و د.ريتشارد بوردن. تمت هذه الدراسة على طلاب وطالبات أكثر 300 جامعة حول أمريكا والعالم، والنتيجة كانت غريبة نوعاً ما، فالنتائج كانت تشير إلى ميل الطلاب للاحتفال بالأمجاد التي لم يشاركوا في صناعتها، هذا ليس عجيباً ولكن الأغرب كان استخدام الطلاب للضمير "نحن" في الحديث عن الانتصار الذي حققه فريق الجامعة لكرة القدم . يبدو الأمر سهلاً، لكن لو أمعنت النظر وتفكّرت قليلاً ستجد ميل هؤلاء الطلاب لتقمص دور اللاعب كاملاً أي دور الفائز بل دور الشخص الذي بذل جهداً ليحقق هذا الانتصار. 
هذه الظاهرة والتي عرفت فيما بعد بظاهرة BIRG أتاحت لي أن أفهم سيكولوجية المشجع العربي على وجه الخصوص، فمن دمار لآخر ومن انتكاسة إلى أخرى في محيطه أصبح مفهوم المواطن العربي عن (المجد الحقيقيّ) متقلّصاً وبات يرى الفوز ببطولة معينة في لعبة معينة مجداً ليس له نظير يشرع له نظرته الفوقية على خصمه.. أو عفواً، على مشجعي الفريق الخصم. أما خصومة مشجعي الفريق الخصم فهو مدخل آخر يطول الحديث عنه ويتمدد.

لا يوجد للحب تعريف خاص، لأن وضعه ضمن إطار خاص يعني أن الحب قد انتهى، ومن يصنع الحب هم المتحابون.. فلا يمكن وصف العلاقة بينك وبين فريق كرة قدم أوروبي "مثلاً".

يرى القلموني في كتابه "كرة القدم وأخواتها" أن لعبة كرة القدم أضحت نوعاً من العبادة أو أوشكت على ذلك، فلا تسمع إلا تذكيرا بها وخوفا وبكاءً ورجاءً لأجلها، وقد أتفقُ معه بشكلٍ كبير إذا ما تحدثنا بعيداً عن التشجيع بإطاره العادي، أي إذا ما تحدثنا عن الإنحياز بشكل خاص.. والفرق كبير بين التشجيع وبين الانحياز والتعصب.

إن التشجيع في مفهومه البسيط هو الحث على الفوز والفرح لذلك، أما الانحياز فهو على الأغلب في عالم كرة القدم انحياز تأكيدي، أي وبالإضافة إلى التشجيع العادي فهو ميلُ المشجع إلى معلومات باطلة أو شبه مؤكدة أوغير منطقية أو بلا أي دليل لأنها تتوافق وتؤيد رأيه بفريقه الذي يشجع أو تطعن في خصمه الذي بات يبغضهُ.

إن المشجع العربي بات يظن نفسه أحد أصحاب القرار بالفريق الذي يشجع، بل إنه يحبه وينتمي له أكثر من لاعبي ذلك الفريق أنفسهم، بل ويرى أن قيام أحدهم بمجاملة الخصم يعتبر نوعاً من أنواع الخيانة العظمى، والتي ينصب لها مقصلة إعدام أو يقوم هو ذاته باغتيال شخصيته وإنكار ذلك عليه. من وجهة نظر المشجع العربي، إن كل تلك الأفعال تندرج تحت اسم المحبة الحقيقية والانتماء الحقيقي، ولكن هل الحب قادر على صناعة هذا كله؟ 

أنا لا أكتب الآن لأجد حلّا لما آلت إليه كرة القدم اليوم، ومهما وجدت حلولاً ستبقى صناعة كرة القدم تحدث شغفاً لمتابعيها كل يوم، وكل يوم يروح لها فرد جديد تتوجه عواطفه كلها نحوها.

يرى براد تروغير أن الحب شيء غير معروف بالنسبة لنا كبشر، وأنه قد يكون خليطا بين مشاعر وذكريات وأمور أخرى، فلا يوجد له تعريف خاص، لأن وضعه ضمن إطار خاص يعني أن الحب قد انتهى، فالحب شيء ما زال يصنع. ومن يصنع الحب هم المتحابين أي من نحبه ويحبنا.. فلا يمكن وصف العلاقة بينك وبين فريق كرة قدم أوروبي "مثلاً" بأنها حب بمفهومه العادي.. إن تلك العلاقة إما تشجيع أو انحياز تحت اسم الحب. بطبيعة الحال سيبحث كل منا عمّا يبرر له انحيازه لفريق معين مهما كان هذا التبرير ساذجاً، إلا أنه يعدّ شيئا كبيرا لمؤلفه.

في النهاية.. أنا لا أكتب الآن لأجد حلّا لما آلت إليه كرة القدم اليوم، ومهما وجدت حلولاً ستبقى صناعة كرة القدم تحدث شغفاً لمتابعيها كل يوم، وكل يوم يروح لها فرد جديد تتوجه عواطفه كلها نحوها فلا يقتنع ولا يكاد يسمع من تحذيرات ولا يهمه الشفاء من هذا الداء.. كرة القدم أفيون الشعوب وبما أن القلموني يراها عبادة.. فهي برأي متابعيها شركٌ حلال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.