شعار قسم مدونات

نَوينا الاعتِكافَ على المُسلسَلات

مدونات - تلفزيون

ها هُوَ رمضان يَعودُ مُجدّداً، لَتعودَ مَعهُ الأنوارُ تملؤُ الحارات والأسواق ونوافِذَ المَنازِل، لِيَتزاحَمَ الفرحُ في قُلوبِ الأطفال مع قُدومِ هذا الضّيفِ الكَريم، لتكتَظَّ الجَوامِعُ بالمُصلّين -على الأقلّ في النّصف الأوّل منه-، وتُرفعَ الأصوات بالذّكرِ والقُرآن، عادَ مُجدّداً ليحطّ الذُنوبَ عن الّذينَ اختاروا اغتِنامَه، ليحملَ عنهُم هذا الثّقلَ، فَقَد قالَ عليهِ الصلاةُ والسّلام : "مَن صامَ رَمضانَ إيماناً واحتِساباً غُفرَ لَهُ ما تقدّمَ من ذَنبِه"، ومن أجلِ هذهِ الغايَة نَرى عَدداً منَ الناسِ استَعدّت لتستَقبلَ هذا الشّهرَ بِرحابَةٍ وهمّةٍ وحُبّ، لِأنها تُدركُ أنّهُ قد يكونُ فرصتها الأخيرة.

وعَلى الطّرفِ الآخر، نَرى إعلامنا العَربيّ يَستعدُّ هُوَ أيضاً لِتَحقيقِ غاياتِهِ من هذا الشّهر، ليستَقطِبَ الشّبابَ ويجمَعَهُم مَعَه لِيُكمِلَ بِهِم خُطَطَهُ في تَحقيقِ الانحِطاط، وتُذهِلُني الشّعاراتُ التي تَرفعها بعضُ الفضائياتِ استِقبالاً لهذا الشّهرِ الكَريم، وتَفشَلُ كُلُّ مُحوَلاتي في الرّبطِ بَينها وبينَ مَقاصِدِ رَمَضان، فَكيفَ يُريدونَ لِرَمَضانَ أن يجمعهُم وهُم لا يجتَمعونَ إلّا في عَرضِ مُسلسَلاتٍ تتمحوَرُ حولَ الفُسوقِ والمَعصِيَة وإفسادُ خُلقِ هذهِ الأمّة ؟ باللهِ كَيفَ يَجمعُهُم رَمَضان!

"ماذا لَو أصبحَ إعلامُنا العَربيّ صالِحاً؟" أستطيعُ أن أتخيّلَ سَريعاً أنّ رَمضان حينها سَيُحقِّقُ مَعانيهِ كَما يجِب، فَفي الوَقتِ الذي تُعرضُ فيهِ المُسلسَلات سَتُعرضُ سِيَرةُ الرّسولِ أو سِيرُ الصّحابَةِ مَثلا والّتي أجزمُ أنّ عَدداً كَبيراً بَل الغالِبيّةُ العُظمى لا يَعرفُ عَنها شَيئاً.

لَم أستطِع بَعد استيعابَ الكمّ الهائِلِ منَ التّناقُض ما بينَ فهمِ الناسِ لِرَمضان، وما بينَ حَقيقَةِ رَمَضان، فَقَد أخذَ عددٌ كَبيرٌ مِنهُم يَتسابَقونَ لِمُتابَعة أكبرِ عددٍ منَ المُسلسَلات والبَرامِج الرّمضانِيّة، وكَثُرَت السّهراتُ الرّمضانِيّة التي تتمحوَرُ حَولَ الغيبَةِ والنّميمَة، أصبَحَت غايتهُم هِيَ تَضييع أكبرِ عَددٍ مِنَ ساعاتِ الصّيامِ عَلى أُمورٍ فارِغَة، المُصيبَةُ أنّهُم لا يُضيعونَها بِاجرِها فَقَط، بَل يَجنونَ الذُّنوبَ كّذلك من وَراءها.

إعلامُنا العربيّ الذي باتَ مَصدرَ هَدمٍ لا بِناء.. أصبحَ مصدرَ ضَعفٍ لا قُوّة -أستَثني البَعض-، يَستمرُّ في تَدميرِ هذا الجيل وهذهِ الأُمّة، وتَقفِزُ الأحلامً الورديّةُ إلى رَأسي تِباعاً وأقفُ عِندَ الفِكرةِ الآولى "ماذا لَو أصبحَ إعلامُنا العَربيّ صالِحاً؟" أستطيعُ أن أتخيّلَ سَريعاً أنّ رَمضان حينها سَيُحقِّقُ مَعانيهِ كَما يجِب، فَفي الوَقتِ الذي تُعرضُ فيهِ المُسلسَلات سَتُعرضُ سِيَرةُ الرّسولِ أو سِيرُ الصّحابَةِ مَثلا والّتي أجزمُ أنّ عَدداً كَبيراً بَل الغالِبيّةُ العُظمى لا يَعرفُ عَنها شَيئاً، عِندما يُصبِحُ الإعلامُ صالِحاً ورادِعاً لِكُلّ ما يُغضِبُ الله فَإنّ النُّفوسَ سَتَصلُح، وسَيعُمُّ الخَيرُ والحُبّ والأمان، ليسَ في رَمضان فَقط وإنّما في جَميعِ أيّامنا، هذا الإعلامُ الذي نَسيَ قَولهُ تَعالى: ﴿إِنَّ الَّذينَ يُحِبّونَ أَن تَشيعَ الفاحِشَةُ فِي الَّذينَ آمَنوا لَهُم عَذابٌ أَليمٌ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ﴾.

الّذينَ يَفهمونَ أنّ رمَضان هُوَ شهرٌ امتناعٍ عَنِ الطّعامِ فَقَط هُمُ الحَمقى فِعلاً، ففي الوقت الذي يَتسابق البعضُ فيهِ على الاعتِكافِ في البُيوتِ والمَساجِدِ للتّعبُّدِ والتّقرُّبِ منَ الله، فَإنّ البعضَ الآخَرَ قَدرَ رَفَعَ شِعارَ الاعتِكافِ على المُسلسَلاتِ والفُسوقِ والأُمورِ الفارغة، فَمتى تتحقُّقُ انتِفاضَةُ فِكريّةٌ تُنتَزِعُ الشّبابَ العربيّ مِن مَوتِه، هَل يَعودُ المَيّتونَ للحَياة..؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.