شعار قسم مدونات

في لندن.. هل يشفع لي الكروسان؟

blogs تفجير مانشستر

بعد التفجير الأخير الذي شهدته مدينة مانشستر، لا بد أن كثيراً حول العالم توقع أن العداءَ ضد المسلمين سيزداد في بريطانيا وأن الانتقامات الفردية ستنتشر بين القوم. "كيتي هوبكنز" إعلامية بريطانية نعت اللاجئين سابقاً ب "الصراصير" وتساءلت يوماً لماذا تقف بريطانيا ضد الأسد في حين أنه الشخص الوحيد الذي يقف "ضد داعش" في سوريا. هذا طبعاً على حد وصفها. حتى أنها أيدت قرار ترمب بإغلاق الحدود في وجه مسلمي الثمانِ دول. 

تعليقاتها تلك ومواقفها الجدلية جعلتها تُعرف بكونها رأسُ حَربة التطرف اليميني في البلاد وأبرز الشخصيات العنصرية في بريطانيا.  مباشرةً بعد تفجير داعش في مانشستر، غردت هوبكينز كعادتها. لكن هذه المرة كانت اللهجة أكثر شراسةً حيث قالت "بعد تفجير مانشستر نريد حلاً "نهائياً!". قد تبدوا لك هذه الجملة عادية للوهلة الأولى، لكن المغردين ربطوها فوراً بلغة هتلر النازية حيث استخدم ذات الكلمات حين أعلن عن خطة حرق اليهود. فترجمها النشطاء على أن هوبكينز تطالب بإبادة المسلمين. 

وسرعان ما انهالت على هوبكينز سيل من الانتقادات التي تتهمها بالنازية والعنصرية العمياء ضد المسلمين مؤكدين أن تغريدتها تلك تخدم داعش فقط لتقوم هوبكينز بحذف التغريدة على الفور واستبدالها بأخرى مع تغيير كلمة واحدة فيها. فبدلاً من أن تقول "حلاً نهائياً" قالت "حلاً حقيقياً". لم يشفع لها ذلك التغييرُ خطأها ففي ذلك الوقت كانت صورة تغريدتها قد انتشرت كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي لتصطاده وسائل الإعلام. وفي صباح اليوم التالي أُقيلت المذيعة الشهيرة من عملها في محطة LBC وهي أحد أهم محطات الراديو في البلاد.

أيقنت اليوم أني مسؤولة عن إيصال المعنى الحقيقي للإسلام بهويتي ذاتها دون تحوير أو تصنع. دون تهرب من الحياة التي اخترناها لأنفسنا والتي نشعر بالارتياح والسعادة فيها. دون تبديلٍ لإرضاء ذوق من يتربص بنا

ردة فعل النشطاء وما تلاها جعلني أشعر بالاطمئنان كوني مسلمة محجبة في لندن. لكن لم يدم ذلك طويلاً. ففي اليوم التالي صعدت الى القطار متجهة الى عملي وقد اشتريت كوباً من الشاي الساخن وخبز الكروسان.  وفيما كنت أقلب حسابات الفيسبوك، قرأت منشوراً لإحدى صديقاتي المحجبات في لندن تذكر فيه أنها بينما كانت تنتظر في سيارتها على الإشارة قام أحدهم في السيارة المجاورة بإنزال نافذة سيارته ثم رماها بأبشع الشتائم العنصرية ضد المسلمين فلم تتمالك صديقتي دموعها رغم تمتعها بشخصية قوية. 

رفعت عيني عن الهاتف وقلبت في وجوه من حولي وأفكار سوداء تعصف في مخيلتي. فوقع نظري على امرأة مسنة بريطانية، ابتسمت في وجهي بلطف. تساءلت، ترى، هل بالفعل تتمتع هذه البلاد بتعايش وتسامح كما هو معروف؟ وخصوصاً في العاصمة البريطانية لندن. أليس عمدتها صادق خان مسلمٌ منتخب من الشعب؟ أم أن مفهوم التعايش هو مجرد خرافة تتحطم فوراً أمام حادثة كتفجير مانشستر؟ هل سأتعرض لموقف كما حدث مع صديقتي؟ وماذا علي أن أفعل حينها؟ وكيف أستعد له؟

هل سيشفع لي التحدث بلهجة بريطانية ولغة إنجليزية سلمية؟ هل سيشفع لي تناول القهوة السوداء أو الأمريكانو؟ أو ربما هل يشفع لي الكرواسان الذي بيدي. هل سيوحي لهم بأني كغيري أحب الحياة والسلام وأنبذ التطرف. هل أتشبه بهم؟ أم أتشبث بهويتي أكثر؟ أم أني أعيش خوفاً لا مكان له. خلقته الشكوك من مواقف تعد على الأصابع؟ 

سأبدد نظرتهم بتشبثي بهويتي وديني وسأتجول في الشوارع دون خوف وسأكون مستعدة لأي تصرف عنصري دون تخوف

كمسلمين في بريطانيا نعيش بين حالتين، حالة الاطمئنان لطابع بريطانيا المختلف عن الدول الاوروبية وأمريكا وحالة الخوف من التعرض لهجمات عنصرية في أية لحظة.  لكن شيءٌ ما في عيني تلك العجوز جعلني أتغلب على تلك الهواجس. أيقنت حينها أن ما سيشفع لي هو حجابي ذاته وشخصي الطبيعي. فالتشبه بهم لن يغير عقيدة شخص عنصري متطرف خرج من منزله قاصداً إهانة المسلمين بسبب منظمة تقتل من المسلمين أضعاف ما تقتله من الغرب لتثبت أنها متعطشة للدماء ليس إلا. 

أيقنت اليوم أني مسؤولة عن إيصال المعنى الحقيقي للإسلام بهويتي ذاتها دون تحوير أو تصنع. دون تهرب من الحياة التي اخترناها لأنفسنا والتي نشعر بالارتياح والسعادة فيها. دون تبديلٍ لإرضاء ذوق من يتربص بنا.  سأبدد نظرتهم بتشبثي بهويتي وديني وسأتجول في الشوارع دون خوف وسأكون مستعدة لأي تصرف عنصري دون تخوف.  فابتسامة تلك العجوز تركت في نفسي إيماناً أكبر وأعمق بأن الخير يعم والشر يخص. وأن لفتة لطيفة كتلك الابتسامة ورمقة عين مليئة بالطيبة تكفي لتبديد هواجسنا وزرع الأمل فينا. تذكرت حينها أبياتاً حفظتها عن حب وأنا طالبة في المدرسة تقول.. "أنا مسلم والمجد يقطر كالندى.. والعز كل العز في إيماني".. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.