شعار قسم مدونات

في أقلام دولتنا

blogs مكتب عمل
يجتاحني إحساسٌ مريرٌ بالظلم.. لطالما عرفتُ "أن تنام ظالماً خير من أن تنام مظلوماً"، لكنّني الآن أعرف أنّ كونك مظلوم فيه شرّ كبير أيضاً لا محالة! أن تعرف أنّك مظلوم، لا يقتصر فقط على شعورك بالظلم، بل أيضاً ستشعر بالعجز والضعف، ستشعر بأنك مهيض الجناح ومفطور القلب، بأنك منسيّ ومكسور كأذن فنجان قهوة صار يُستخدَم متكأً لشمعة، ستشعر بحرقة أنّك تافه لدرجة أن يُقتنص من حقّك دون أن يقف هذا العالم مثلاً أو يستنكر أحد أو يصرخ صوت. وستوقن عندها.. أنّ هذا العالم يحترف الظلم بشكلٍ مخيف.
 
كنتُ أحمد الله دوماً أن نجاني من الظلم في المرحلة الأخيرة من الثانوية العامة، كنت أعرف -أو أحسب أنني أعرف- كم هو أمرٌ بشع أن يقتنص الموظفون المسؤولون عن تصحيح أوراق الامتحان من حقّ الطالب بالدرجات، كون درجة أو جزء من الدرجة يساهم في تحديد الكلية الجامعية التي سيكون مآل الطالب إليها وبالتالي سيساهم بتغيير حياته كلّها.

أن تكون طالباً في جامعةٍ فاسدة يعني أن يكون لديك من قصص الظلم وسوء المعاملة وعدم الاحترام من قبل موظّفيها أكثر ممّا لديك من ذكريات جميلة يُفترَض أن يعيشوها في سني حياتهم الجامعية.

رأيتُ مَن ظُلِموا وتحطّمت آمالهم فجأة فور صدور النتيجة، الوجوم والاستنكار إثر المفاجأة غير السارّة كان يرتسم بشكلٍ محزن على وجوههم، هم الذين كانوا قد حسموا أمرهم بعد أن اجتازوا الامتحانات بشكلٍ جيد -حسب ما هم موقنون أنهم فعلوا- وبدأوا بالتجهيز لاستقبال المرحلة الجامعية في الاختصاص الذي يتمنونه.

لكن.. موظف ما.. في لحظة نزقٍ أو عدم اكتراث، في لحظة إهمال التدقيق والضمير.. كان قد قرّر أن يقف في طريقهم لتحقيق الحلم.. ولم يملكوا شيئاً حينها سوى أن يسلكوا الطريق المغاير الذي لم يفكروا فيه قبلاً مجرد التفكير. وأن يقولوا وداعاً لأحلام الأمس ليبدؤوا البحث عن كلياتٍ بديلة تستر خيبات آمالهم.

كنت أحمد الله دوماً وأبداً أنه لم يجعلني منهم، أن نجّاني من زلّات القلم الأحمر وغفوات ضمائر المصححين، وأنّه استجاب لدعواتي التي تكثّفت حول موضوع ألّا يُقتنص من درجاتي المستحقّة ولا نصف درجة، أكثر حتى ممّا دعوتُ أن يكون الامتحان يسيراً لي حتى أستحقّ الدرجات العالية! لكن هذا البلد الذي قُدِّر لنا أن يكون وطننا، لا يرحم أبداً. فبعد التخلّص أخيراً من رحلة العناء المكتوبة على كلّ طالب علم في الثانوية ودخولي إلى عالم الجامعة، وجدتُ الموظّف الذي تكفّل بظلمي تعويضاً عمّا فاتني منه في المرحلة السابقة.

فقد حرمني من أن أستفيد من معدّلي في الثانوية، وحتّم عليّ -بخطأ واحد- أن أدفع رسوماً باهظةً كلّ فصل كي أكون في الكلية التي أستحقّ دخولها أصلاً بموجب معدّلي. صحيحٌ أنني قد حسمتُ أمر الاختصاص الذي سأكمل فيه مشواري الدراسيّ، لكنّ خطأ هذا الموظّف كلّفني غالياً كذلك.. لدرجة أنّ التفكير في الأمر يشوّش عليّ كل حياتي، ويمنعني حتى من الدراسة كما يجب. يكاد يقتلني أيضاً كلام التهوين والتخفيف بأنّ هذا ما حدث وعليّ التأقلم و "هذا هو نصيبك".

كم هو أمرٌ بشع أن يقتنص الموظفون المسؤولون عن تصحيح أوراق الامتحان من حقّ الطالب بالدرجات، كون درجة أو جزء من الدرجة يساهم في تحديد الكلية الجامعية التي سيكون مآل الطالب إليها.

أن تكون طالباً في جامعةٍ فاسدة لدى طلابها من قصص الظلم وسوء المعاملة وعدم الاحترام من قبل موظّفيها أكثر ممّا لديهم من ذكريات جميلة يُفترَض أن يعيشوها في سني حياتهم الجامعية، فهذا يعني أنّ غيرك تأقلم وقَبِل ورضخ حتى جاء دورك فنالك ما ناله.

حتى وإن كنتُ أدرك أنّ هذا الموظف ما كان ليخطئ لو أنّ هنالك بالأساس رئاسة جامعة حكيمة ومحترمة ترفض الخطأ وتحاسب عليه، حتى إن كنت أعرف أنّ "الفم الأعوج من الثور الكبير" كما يقولون، فإنني لا أستطيع أن أتناسى وأتابع دون إثارة بعض الضجّة عسى أن ينتبه أحد لما حصل معي، وأن أقول لهم: ثمة بعض الأخطاء القاتلة التي تحدث في جامعتكم يا سادة.

النتيجة؟ لستُ متأكدةً أنها ستكون في صالحي، بل ولستُ متفائلة بأن يحدث هذا، لأنّ ثمانية عشر عاماً في هذا البلد كفيلة بأن تعلّمني أنّ هذه هي وتيرة الحياة عندنا، وهذا نهج الموظفين الحكوميين، وهذا هو قطّاع التعليم.. يفاجئنا دوماً بأسوأ ما يمكن تخيّله. وأنّ هذا قدرك يا فتاة أن تكوني هنا كي تدرسي في جامعةٍ كهذه!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.