شعار قسم مدونات

شهر رمضان

مدونات - الصوم

دخل شهر رمضان الأكبر وجاء ببركته وأجوائه التي يتأقلم عليها المسلم من يومه الأول، وتتزين المنازل والمد بكل ما يوحي على أن رمضان قد جاء من ازدهار التجارة والمحلات إلى الأجمل الموائد في الفطور كل هذه الأشياء ما أجملها لكن في ظل الظروف التي يعيشها العالم العربي والإسلامي من حروب يبقى علينا أن نفكر في إخوتنا الذين شردتهم الحرب وهم ليسوا سببا فيها فالفقر والجوع الذي ينهشهم هو ما يجب أن نفكر فيه الآن مع دخول الشهر المعظم، فالمائدات العربية تتزين بأطيب ما يأكل وإخوتهم إذا أفطروا لا يتعشون وإن تعشو لا يفطرون.
 
رمضان هو شهر عند صومه يستوى الفقير والغني، شهر من أجل الإحساس بالفقير، في كل مكان هنا نرى عظمة كبيرة جدا في الإسلام باعتباره دين لا يفرق بين ذاك وذاك، ودين سواسية. ومن قواعد النفس البشرية أن الرحمة تنشأ عن الألم، وهذا بعض السر في عظمة الصوم وذلك بمنع الغذاء وشبه الغذاء عن البطن وحواشيه مدة من الزمن.

لو عم هذا الصوم الإسلامي أهل الأرض جميعا لآل معناه أن يكون إجماعا من الإنسانية كلها لتطهير العالم من رذائله وفساده ومحق الأثرة والبخل فيه.

وهذه طريقة عملية لتربية الرحمة في النفس. فمتى تحققت رحمة الجائع الغني للجائع الفقير أصبح للكلمة الإنسانية الداخلية سلطانها النافذ وهذا ما لا تستطيع أي فكرة أو قوة أرضية أن تجمع الناس له، لولا طاعة جمعت الناس على حال واحد في زمن واحد لنسك واحد فرضت ثلاثين يوما كل سنة لتربية إرادة الشعب تربية تصبح جزءا من عمل الإنسان لا خيالا يمر برأسه.

يضيف الصوم بعدا مختلفا في العبادات يفرض مراقبة الله لإتمامه، فجميع العبادات تؤدى أمام الناس أو من خلالهم إلا الصوم فإنك لا تستطيع أن تقول لأحد من الناس انظر إلى صومي أو اسمعه فأنا صائم، وإن ذلك يربي في الناس ويعودهم على مراقبة الله في يسر وسهولة، إذ إنه حالة سلبية يمتنع فيها العبد عن كل ما يتعلق بالبطن وأشباه البطن وهو السبيل الوحيد الذي يعطي بعض أسباب الصدق والإخلاص بشكل عملي، أليست الدعوة التي لا ترد للعبد عند فطره بعضا من جزاءه على مراقبة الله وإخلاصه وصبره؟

وشفاعة الصوم له يوم القيامة وقراءته للقرآن وقيام الليل وليلة القدر التي تتفرد بعطاء خاص من الله وباب في الجنة يدخل منه الصائمون يقال له الريان ثم يقول الله عز وجل في الصوم "فإنه لي وأنا أجزي به" ويأتي التحذير النبوي الشديد من أن من يفطر يوما في رمضان بغير عذر شرعي لا يكفره صوم الدهر كله فتجد كل الناس على اختلاف درجات إيمانهم صائمين لا يستطيع أحدهم وإن خلا بنفسه أن يأخذ شيئا من حظ البطن وإن كانت شربة ماء لكأن الله يريد أن يدخل العبد الجنة في رمضان ولو جرا فأي معنى أعظم من هذا.
 
والله لو عم هذا الصوم الإسلامي أهل الأرض جميعا لآل معناه أن يكون إجماعا من الإنسانية كلها لتطهير العالم من رذائله وفساده ومحق الأثرة والبخل فيه فيهبط كل رجل وامرأة إلى اعماق نفسه يبحث في معنى الفقر ومعنى الحاجة وليفهم في طبيعة جسمه معنى الصبر والثبات والإرادة ليبلغ من ذلك وبه أرقى معاني الإخاء والحرية والمساواة.
 

فجميع العبادات تؤدى أمام الناس أو من خلالهم، إلا الصوم، فإنك لا تستطيع أن تقول لأحد من الناس انظر إلى صومي أو اسمعه فأنا صائم!

الحرية الحقة التي يخلص فيها من رق الآفات النفسية والشهوات الحسية تلك الحرية التي تكفل له بعد رمضان ارتقاء في النفس وعافية في البدن وروعة في الأخلاق وذلك كله من أسباب فرح العبد بالعيد وهو من أسرار عظمة رمضان، ذلك لأن الذي صام لله طائعا وتهيأ لرمضان بعزيمته وأصر على الامتناع وصبر على ذلك بأخلاق الصبر والثبات كان يسيرا عليه أن يتعود الطاعة بقية أيام العام.

من هنا تأتي فداحة الاستمرار على المعاصي بعد ثلاثين يوم من هذا النظام النفسي الاجتماعي الروحاني التطهيري العالي، فذلك الذي لم يأخذ من رمضان إلا كما يأخذ العبيد من الامتناع عن الطعام والشهوات لفترة من الزمن وهو يترقب متى ينتهي رمضان ليعود إلى المعاصي كأن الذي صفد في رمضان هو لا الشيطان. 

إن رمضان منحة الله وهبته وفرصته للناس به تكتمل عطاءات الله للعبد في الأخذ بيده إلى جنة عرضها السموات والأرض دون أن يجهد في ذلك جهده العام كله فمن لم يرق في رمضان فمتى ومن لم يغفر له في رمضان ويعد إلى الله فأنى له ذلك لا يوجد زمن أنسب ولا أخصب من رمضان لنيل رحمة الله ورضوانه هنا ندرك لماذا بلغنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يدرك رمضان ولم يغفر له رغم أنفه أي خاب وخسر ومرغ أنفه في التراب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.