شعار قسم مدونات

البنوك التشاركية.. إسلامية أم حيلة شرعية؟

blogs- البنوك الإسلامية

كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن البنوك الإسلامية، أو البنوك التشاركية أو المنتجات البديلة.. وكلها أسماء وإن تعددت فهي تعني مفهوما واحدا، وهي تلك البنوك أو المؤسسات التي ينص قانون إنشائها ونظامها الأساسي صراحة، على الالتزام بمبادئ الشريعة وعلى عدم التعامل بالفائدة أخذا وعطاء.
 

وحسب المروجين لهذا النوع من البنوك، فلكي يكون بنكا إسلاميا لابد له من أمرين:
عقد التأسيس: أي أن تعلن المؤسسة البنكية في عقد إنشائها أنها تحترم الشرع ولا تقوم على الربا.
هيئة الرقابة الشرعية: أي توفرها على لجنة او هيئة رقابة شرعية، تنظر في شرعية معاملات ومنتجات هذه المؤسسة.

لكن هل بمجرد تسمية مؤسسة ببنك إسلامي، وتوفرها على رقابة شرعية، وإعلانها أنها تحترم مبادئ الشرع في معاملاتها، تجعل منتجاتها إسلامية؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تحايلا شرعيا، لاسترداد أموال الذين يرفضون أن يودعوا أموالهم في البنوك التقليدية الربوية تجنبا للربا؟ أي إعادة الهاربين من النظام البنكي، تحت قناع إسلامي، ليكون البنك الإسلامي في النهاية بنكا تقليديا بقالب مختلف. الناظر في منتجات ومعاملات هذه البنوك يجدها لا تخرج عن قسمين، مثلها مثل البنوك التقليدية.
 

البنوك الإسلامية تأخذ من العمولات والأرباح أكثر من البنوك التقليدية، ليجد الزبون نفسه في الأخير قد دفع تكاليف أكبر من تلك التي كان سيدفعها لو توجها إلى خدمة البنوك التقليدية الربوية.

قسم يقوم به البنك مع زبنائه. وقسم يقوم به البنك مع مؤسسات وهيئات خارجية (بنوك مؤسسات مالية شركات بورصات..) والتي في الأغلب معاملات ربوية. ثم إن هذه البنوك لا بد لها عند تأسيسها من تراخيص من البنك المركزي، والخضوع لشروطه والاقتراض منه بنسبة فائدة لتوفير السيولة، ومجموعة أمور أخرى يعرفها الخبراء في النظام البنكي، لا يسع لها المجال هنا لبسطها، مما يجعل من هذه البنوك امتدادا للمنظومة البنكية القائمة، والقول بأنها تؤسس لمنظومة بنكية جديدة مستقلة، ضرب من الخيال ودغدغة للعواطف، عدا مسألة اختلاط هذه الأموال بأموال ربوية، لان في الغالب المؤسسات البنكية القائمة هي التي تفتح لها فروعا تعتمد هذه التمويلات البديلة.
 

لكن ما يهمنا في هذا المقال هو القسم الأول، وبالضبط عقد المرابحة التي تعتبر من المنتجات الأكثر إقبالا عند الباحثين عن تمويلات، وقروض بعيدة عن الفائدة الربوية. فماذا يقصد بالمرابحة؟ المرابحة شرعا هي البيع بمثل رأس مال المبيع مع زيادة ربح معلوم، وهو أحد أنواع بيوع الأمانة، وهو جائز شرعا لقوله تعالى "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ".
 

قال ابن قدامة في المغني هو البيع برأس المال وربح معلوم فيقول رأس مالي فيه أو هو علي بمائة، بعتك بها وربح عشرة (مثلا) فهذا جائز لا خلاف في صحته ولا نعلم فيه عند أحد كراهته." وهذه مرابحة بسيطة تكون بين طرفين دون واسطة ودون أجل، أي أن البيع يكون نقدا، وشروطها هي شروط البيع بالإضافة إلى شروط أخرى أهمها:
 

بيان أصل السعر وأصل المال، أن يكون الربح معلوما.. لكن ما تقوم به البنوك الإسلامية يسمى بيع المرابحة للأمر بالشراء، يكون البنك وسيطا بين البائع والمشتري (الأمر بالشراء) ولا يكون البيع نقدا ولكن بأجل وإلا لما التجأ إليه المشتري لأنه لا يملك ثمن المبيع حالا.

وهنا يطرح سؤال؛ ألا يعتبر هذا البيع بيع بأجل وليس بيع مرابحة؟ أو ليس الربح الذي يأخذه البنك هو مقابل الأجل الذي أعطاه للزبون وهو عين الربا؟ ذلك أنه في الإسلام، السعر النقدي والأجل يجب أن يكون دائما بنفس السعر بدون زيادة أو نقص حتى لا يدخل في سلف جر نفعا.
 

على أي هناك شروط في هذا النوع من البيع:
معرفة رأس المال
تملك البنك لهذه السلعة تملكا فعليا، بحيث يكون تحت ضمانه حتى لا يدخل البنك في بيع ما لا يملك لقوله صلى الله عليه وسلم "لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم تضمن ولا بيع ما ليس عندك".
 

الاتفاق الواضح بين الطرفين
ألا يكون الوعد بالشراء من طرف الزبون ملزما؛ أي يمكن له التراجع عن الشراء دون أن يلزم بأي تعويض. كمالا يجوز للبنك الإسلامي إلزام العميل بأي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط، إذا تأخر على المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد، وهي ما يسمى بغرامة التأخير، وأنه لا يجوز شرعا اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء، لأن ذلك ربا محرم كما نص عليه المجمع الفقهي الإسلامي بجدة بإجماع الأعضاء 1990 قرار رقم 6/2/53.
 

ثم إن هناك أمر آخر؛ وهي أن هذه البنوك المسماة إسلامية، تأخذ من العمولات والأرباح أكثر من البنوك التقليدية، ليجد الزبون نفسه في الأخير قد دفع تكاليف أكبر من تلك التي كان سيدفعها لو توجها إلى خدمة البنوك التقليدية الربوية. والغريب المضحك في الأمر وجود من يبرر هذه التكاليف بمنطق ديني عاطفي.
 

البديل سيكون عندما تنهض الأمة الإسلامية بكل جزئياتها، كمنظومة متكاملة، تنهل من الشريعة منهجها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. لا استنساخ نظام وتجارب ببلادة..

جاء في إحدى الفتاوى المسجلة تحت رقم 63997 في موقع (fatwa.islamweb.net) ما يلي: هناك بنوك ربوية وهناك بنوك إسلامية هل تعلم يا شيخي الفاضل أن البنوك الإسلامية تأخذ باستخدام (نظام المبارحة) أضعاف أضعاف ما يأخذ البنك الربوي لدينا فقط لاستغلال البسطاء كونه حلال؟ ليأتي الجواب كون البنوك الإسلامية تأخذ من العمولات أكثر من البنوك الربوية ذلك لا يسمح لنا أن نتعامل مع البنوك الربوية في الربا والحرام، ولنعتبر الزيادة التي يأخذها البنك الإسلامي تبرعا منا في دعم العمل المصرفي الإسلامي، ولعل البنوك الإسلامية إذا لم ترفع العمولة أكثر من البنك الربوي سيؤدي ذلك إلى إغلاقها فمن يدري.
 

فأي منطق هذا الذي يبرر استغلال البسطاء الباحثين عن الحلال بدعوى التبرع لمؤسسات مالية ضخمة والله يقول "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا". إن أبشع أنواع الاستغلال والتحايل، ما يتم تحت مسميات جاذبة دينيا وعاطفيا، لتحقيق أرباح على ظهور المتحمسين. يقول الشيخ الألباني رحمه الله لا فرق بين هذه البنوك التي ترفع شعارها الإسلامي، فلا فرق بين بنك إسلامي وبنك بريطاني أو أمريكي إطلاقا، لأن النظام واحد لكن مع الأسف قد يكون البنك الذي أعلن بأنه إسلامي أخطر من البنوك الأخرى سواء كان بريطانيا أو أمريكيا، ذلك لأن هذه البنوك تتستر بستار الإسلام فهي تفعل فعل اليهود الذي حذرنا كتابا وسنة من اتباع سننهم..
 

ورب سائل يسأل ما البديل؟ البديل يجب أن يكون نظاما مستقلا، متأصلا متكاملا، وليس تابعا وامتدادا لمنظومة رأسمالية غربية ربوية، البديل سيكون عندما تنهض الأمة الإسلامية بكل جزئياتها، كمنظومة متكاملة، تنهل من الشريعة منهجها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. لا استنساخ نظام وتجارب ببلادة..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.