شعار قسم مدونات

داعش والإسلام… بحران لا يلتقيان

blogs - شعار داعش
يوماً ما سيذكُر التاريخ في صفحاته المُظلمة أنه في السادس والعشرين من آيار شَهِدَت مدينة "المنيا" بصعيد مِصر حدث استهداف حافلة كانت في طريقها إلى دير "الأنبا صمويل" ومقتل من على متنها بلا أدنى رحمةٍ أو شفقة تُذكَر. وفي الصَفحة ذاتُها من التاريخ سيُلعن كلُ قاتلٍ يُسفِكُ الدماءَ في الأرض بغير وجه الحق.
 
حقيقةً لم أعُد أدري متى تحديداً انكشفت حقيقةُ ذلك المشهد العَبَثي الذي يسرق من أعيُننا لون الفرحة يوماً بعد يومٍ. حتى صِرتُ لا أستوعب كيفَ يُمكن لإنسانٍ أن يُنهى حياةَ إنسانٍ آخر فقط لأنَّه يُخالفه في الفِكْر والعقيدة، وأي مُبررٍ هذا الذي يفسر صنيع هؤلاء القتلة! وأيُّ نصِّ ديني هذا الذي يُبيح خرقَ التعايش السِلمي الذي تعاهدنا مُنذ قديم من الزمان غابرٍ على السير عليه!

ومما يدعو للتَفكُّر هو كيفَ يُعقل أنَّ من يُطوِّق حول خِصْرِهِ حِزامٌ ناسف سيذهب مُباشرةً إلى الجَّنة عقب انطلاقه نحو كنيسةٍ ما ليُفجِّرَ نفسه بها، أو أن من يُشهر سلاحاً صوبَ مُسالمٍ غيرُ محاربٍ ويقتله بدمٍ بارد بفعلته هذه أفاد البشرية! ما لَكُم كيفَ تَحكمون؟!

أما من يتخذون الإسلام ذريعةً في ارتكاب جرائمهم فهُم بعيدون عن الإسلام كل البُعْد تماماً كمثل البُعْدِ بين المشرق والمغرب. فلَم أعُد أدري كيف ينتَفِلون من كافة النصوص التي تحرِّم استحلال الدماء بغير وجه حق، وكيف يتهربون من "وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" و"مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ في الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا" و"وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا" و"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ في الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" و"وَقَاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" و"وَلَا تُفْسِدُوا في الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا" وحديثُ "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة".

الإرهاب.. هو ما قَذفتموه من خوفٍ ورُعبٍ في قلوب الأبرياء. هو أن يشيعَ الظُلمُ ويشتد الكَربُ، مما تُقدمون على فعله يوماً تلو الآخر. هو أن تستَحلَّوا ما حرَّم اللَّه وتستحرموا ما حللَّ.

مِثلُ هؤلاء لم يُدركوا قبلاً معنى الإسلام بالحُجَّة والبراهين وبالأدلة الدامغة التي لا يُنافيها العَقلُ، وإنما على صعيدٍ آخر استبدلوها باستحلال القتل والتخريب وسفك الدماء وتحريف للآيات وليِّ أعناقها على غير موضِعها.

وما يؤخَذ على من جاهروا بإسقاط تهمةِ الإرهاب على الإسلام فقط لأن فئةً منه لا يتجاوز تعدادهُا 0.5% من المسلمين تفسرُّ الدين على مُبتغاها؛ فَلَهوَ إسقاط خاطئ، فليس كل من يزعُم حَمْلَ لواءُ شِعَار بعينهِ يكونُ في الأصل يُمثِّل صدقاً هذا الشِعار، فالشاذُ عن المألوف يُردُّ ولا يؤخذ منه فلماذا كلمَّا وقع حادث مثل هذا يُسارع العديد وبحَميِّة الجاهلية لاهثين بكلمات غوغائيةٍ محتواها ضحلٌ فارغٌ منها ما قيل حديثاً على لسان أحدهم أن "الإسلام انتشر بحد السيف" ناهيكَ أن من يتفوَّه بمثل هذه الكلمات لم يدرس تاريخاً قط ولا يفقه فيما يتكلم، لأنه "لَا إِكْرَاهَ في الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" فمن درس التاريخ يعلم كيف خرج الإسلامُ من الأندلُس بحدِّ السيف ويعلم المَجازر التي انتُهكت في حق المُسلمين حينها، ولكن الإسلام حينما جاء كَفَل للجميعِ حرية العقيدة، فإي حدُّ سيف هذا الذي انتشر به الإسلام، هذا إن كان لكم في الإنصاف ما يُحفظ منه ماء الوجه.

أما من يُثبتون يوماً بعد الآخر أن أفعالهم تتبرأ منها الأديان كافةً، فالحق الحق إن كان لكُم عبرة في قَصَص الأولين لعَلِمتم أن العَنَتَ والمُكابرة في نشر رسالة بعينها لا يُخَلِّف إلا عِنداً أعمَى واستكباراً أعَظمُ منه درجة إن كانت الطريقة المُستخدمة في نشر تِلكُمْ الرسالة خاطئة. ناهيكَ أن تلك الطريقة المستخدمة هي بث الرعب تحت وطأة الإرهاب المُستتر ظلماً وجوراً تحت عباءة الإسلام. وصِدقاً الآن يُمكنُنى أن اُعطى تعريفاً أكَثرَ توضيحاً لماهية الإرهاب بعد أن اكتسبتُ خبرةً مريرة من عديد جرائمكم الشنعاء.

لم يستوصوا بهم خيراً يا رسول الله… حتى صاروا يُحرِّضون على الفتنةِ ويبثونها بثاً في النفوس فقَد استبَاحوا دمائهم وجاهر طواغيتهم بجواز قتلهم بدم بارد. وكلَّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله بلُطفهِ.

الإرهاب.. هو ما قَذفتموه من خوفٍ ورُعبٍ في قلوب الأبرياء. هو أن يشيعَ الظُلمُ ويشتد الكَربُ فيه مَداه، مما تُقدمون على فعله يوماً تلو الآخر. هو أن تستَحلَّوا ما حرَّم اللَّه وتستحرموا ما حللَّ اللَّه لكي يخدم مطامعكَم القميئة. هو أن يُستعلى الجُور والسَلب والنَهب إثماً وعُداوناً. هو أن تُنتزع روحٌ لا تعلمُ ماذا بينها وبين اللَّه. هو أن تسرق روحَ أمٍ أمام صَغيرها الذي لم يتجاوز رَبيعَهُ الأول من عُمره! هو أن تُشهِر سلاحك صوب كلَّ مُسالمٍ مُستأمنٍ لم يُعاديكَ يوماً قط وتغدُرُ به غَدر الضواري للفرائس.

وفي هذه الصدد يستوجب بأن يُعلَمَ أنَّه إن أردت تقصي الحقيقة كاملةً وراء ظاهرةٍ بعينها فعليك بالبحث خلف جذور وبواكير تلك الظاهرة. ومن هذا المُنطلق يُرى أنَّ ما استُبدلَ بزرع أفكار دخيلة لا يُسترجع إلا بانتزاع تلك الأفكار الدساسة نزعاً، وعليها فإنه لا صَلاح ولا رجوعَ لهويتنا الإسلامية بعد أن تم تدنسيها حتى تساوت بالثَرَى إلا برجوع فِكرنا السامي الذي توارثناه من رسولنا الكريم، وهو ما ينتقل بنا إلى رحلةٍ تأمُليَّة وهي.. تُرى لو كان بيننا رسولُ الله أكان سيؤيدكُم فيما فعلتموه من هتكٍ للممتلكات واستعلاءٍ في البلاد ومن قتلٍ لأُناس مُسالمين، لا عدوانيين أمثالكُم!

لو كان بيننا رسولُ اللَّه كُنت سأخُبرهُ… لم يستوصوا بهم خيراً يا رسول الله… حتى صاروا يُحرِّضون على الفتنةِ ويبثونها بثاً في النفوس فقَد استبَاحوا دمائهم وجاهر طواغيتهم بجواز قتلهم بدم بارد. لم يستوصوا بهم خيراً يا رسول الله… فكلَّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله بلُطفهِ، فبقَتلهم يظنون أنهم إلى حزب اللَّهِ يهتدون وهم إلى حزب الشيطان في جهنَّم يُطرحون. لم يستوصوا بهم خيراً يا رسول الله… فلقد تجَرَّدوا من إنسانيتهم واستحوذت عليهم شياطينهم حتى زَيـِّنَتْ لهم سوءُ عملِهم فرأوه حسناً بعد أن نُزعت من قلوبهم روح المحبة التي عَهِدناها عليكَ.

وما يُطفئ نيرانُ القلوب المُستعَرة هو أن حمداً للَّه أن هُنالك يوم القيامة وهو يومُ عند الله ستجتمع فيه الخصوم، ويومئذٍ كلُّ من افترى على الإسلام إثماً وعدواناً لن تنفعَ معذرتهُ شيئاً. "اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.