شعار قسم مدونات

فشل الدولة

blogs-parliment
لا يمكنك أن تشطب فشل الدولة ككيان وكمؤسسات، في إرساء معاني التقدم و التطور الظاهرة للعيان، ولا يمكنك أن تخفي أمام الرأي العام الذي يعرف جيدا و يعي أساسيات الدولة، والفرق بينها وبين النظام أو السلطة، وأن تعرف سبب هذا الفشل هو الأمر المهم، ففي عالمنا العربي تجد أن السلطة أو النظام هو من أدمج الدولة تحته وجعلها جزءا ثانويا، أو عبارة عن مؤسسة كغيرها من المؤسسات التابعة له.

وأصبحت السلطة مكان الدولة لهذا ترى أن الرأي العام أجبرته التعقيدات و تسلط السلطة على التقييد بما تأمره به، و ترك أوامر الدين و نواهيه جانبا، مما يخدم النظام أو السلطة الموجودة، بدل الصالح العام الحاضر و المستقبلي، فالذي يبجل مذهبا عن المذاهب الأربعة الأخرى في الإسلام، و أدخل كتبهم في المناهج التعليمية في الكتاتيب القرأنية و غيره من الجامعات الدينية، كان يعرف جيدا أنه لا يمكن أن يسيطر على الرأي العام إلى من هذا الباب، فان بعض العلماء كانوا يبجلون الحاكم و يعطونه صفة أمير المؤمنين، لما كانوا يقدمونه من اجتهادات تخدم الملوك و السلاطين في حكمهم.
 
غرز العدو فينا الرماح، سالت منا الدماء ونحن لها مطمئنين بارتياح، نمنا إلى الأبد ولن يقضنا ديك يوما بصياح، ولا كلاب الحي بالنباح، نحن نسمع زقزقة العصافير وأصوات الرياح.

لكن هذا لا يعني أن نكفر هذه السلطة أو تلك و نحاربها، بل إصلاحها هو الأمر المهم هذا من واجب الجماعة أو الرأي العام، وهذا لن يتم إلى إن خرج علماءنا وفقهاءنا ومثقفينا من يد السلطة التي تسيطر عليهم، وتكبح جموحهم أو تقمعهم، فهؤلاء هم صفوة المجموعة أو النخبة التي إن قيدتها ستقيد بها الرأي العام ولن يكون هناك من يقطره سوى السلطة أو النظام، ولن تعرف إلى أي وجهة ستأخذه؟

أو بصراحة ستأخذه إلى وجهة تؤدي به إلى الهاوية و الانهيار والتفكك والاضمحلال، في ظل السياسات التي تنتهجها تلك النظم، في عالم أصبح لا يؤمن إلى بالمجموعة والكتلة والقوة، حتى تستطيع أن تبني وتعد للحضارة في جميع مناحيها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية، مادام لديك أسس لتبني عليها من الدين تأخذها، بدل الغرق في دوامة العالم الغربي و الارتماء في أحضان حضارته المليئة بالشوائب و التعقيدات، التي تأقلم هو معها.

والتي توجب علينا إن أخذنا بها أن نتخلى نحن عن ديننا، وننكر عقيدتنا ونرتمي فيما يؤمن به هو، وهذا جوهر العولمة وأساسها الذي خرجت به إلى العالم، والتعرف على الشعوب ليس الارتماء في أحضانها فنص القرآن هنا واضح، فهنا تكمن حماية الجماعة بتراصها وتوحدها، وهذا لا يتم إلى بنخبة واعية وتقدر المواقف وتتخلى عن كل شيء من أجل الجماعة ووحدتها.

كنت دائما أعتقد أن الغرب هو من دس هذه الاختلافات فينا، وهذا التناحر والطائفية حتى في المذهب الواحد فما بالك بين المذاهب، لكنني اكتشفت من خلال تفقدي لأحداث التاريخ وتمعني فيها، أننا نحن من زرع بذور هذه الفتن التي تنخر جسد الأمة سواء الإسلامية أو العربية، وأشعلنا فتيل حروب العقيدة بأيدينا، أما الغربي واتته الفرصة ليبقي هذا الفتيل مشتعلا، حتى أصبحنا دويلات قطرية مفككة مضطربة مليئة بالصراعات من أجل السلطة والنفوذ والمال.

وإن بقينا على هذا الحال فإن هذه الدويلات ستتفكك هي الأخرى، ليزيد ضعفنا وتشرذمنا حتى نصبح مجموعة من قطع الأرض التي يعبث بها الغرب كما يشاء ولا أحد يذود عنها أو يرفع له رأس، لم نتعلم من التاريخ ومجرياته التي قذفت بنا خارجه، وجعلتنا نستنزف كل قدرتنا من أجل العودة إلى سياقه المتسارع، لتدفع بنا نحو الانسلاخ من كل ما هو عربي أو إسلامي، لنتقمص شخصية الغربي ونحاول مجاراته في ذلك ومنافسته دون أن نأخذ بعين الاعتبار بأنها ستصبح لنا عقدة ضعف وتبعية له، حتى ندخل التاريخ من جديد بالتقمص والنفور من تاريخنا.

في حينها سننظر إلى أنفسنا لنجدها نسخة طبق الأصل للغربي، ولا مجال للعودة إلى أصلنا وديننا، في حينها سترى أجيالنا القادمة في الدين تخلفا وفي الحضارة الإسلامية تقوقعا وجمودا، لأن حاضرنا وهو التاريخ بنسبة لهم لم يكن بمستوى الحضارة أو تخلفا، لأنها تقمصت شخصية الغربي المتطور  والمتحضر في نظرها هو ما أوصلها إلى الحضارة والتقدم، دون الإدراك أنه تقليد أعمى يسلب الأمة الحياة ويتركها تحتضر لتموت في صمت.

والتعرف على الشعوب ليس الارتماء في أحضانها، فنص القرآن هنا واضح، فهنا تكمن حماية الجماعة بتراصها وتوحدها، وهذا لا يتم إلى بنخبة واعية وتقدر المواقف وتتخلى عن كل شيء من أجل الجماعة ووحدتها.

لا شك أن للغرب يدا لما يحدث لنا بمؤامراته وخدعه، لكن لم تكن له يد في تدمير كيان الدولة الإسلامية بل نحن من دمرناها نحن من أعطيناه الفرصة بتناحرنا وتصارعنا وشماتة الأعداء فينا، ولم نكتفي بذلك بل راحت هذه الدويلات القطرية بدل التوحد وبناء كيان جديد تتآمر على بعضها البعض، تبذل قصارى جهدها لتفكيك الدويلات الأخرى وإضعافها حتى تبقى هي الأقوى بينها.

لكنها لم تدرك أنها توفر خدمة جليلة للغرب أو أنها تدرك ذلك وتحاول التقرب بهذا إلى الغرب لمجرد الحليف القوي، وهذا للأسف ناجم عن قصر نظرنا لمجريات التاريخ لأننا لم ندرك بعد أننا في حرب حقيقي بيننا وبين الغرب، ومحاولة اقتناص الفرص بدل الإذعان لما يصدر من الغرب.

والحرب خداع غرز العدو فينا الرماح، سالت منا الدماء ونحن لها مطمئنين بارتياح، نمنا إلى الأبد ولن يقضنا ديك يوما بصياح، ولا كلاب الحي بالنباح، نحن نسمع زقزقة العصافير وأصوات الرياح، لكن نشعر بأجسادنا باردة جدا، غير قادرة على الكفاح، فالعدو قادم إلى أرضنا بالاجتياح، ونحن له نبتسم باعتقادنا أنهم فقط السياح كما اعتدنا لكن هذه المرة حاملين السلاح كلهم ضدنا ينادون من يريد الموت أو الانبطاح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.