شعار قسم مدونات

انتخابات الهيئات المحلية الفلسطينية بين الغايات والإجراءات

مدونات - انتخابات فلسطين
جرت في الضفة الغربية المحتلة يوم السبت الموافق 13/5/2017 ثالث عملية انتخابية للهيئات المحلية الفلسطينية في ظل السلطة الفلسطينية، فيما تمت العملية الانتخابية الثانية والتي اقتصرت كذلك على الضفة الغربية في العام 2012 ، في حين أن المرة الوحيدة التي شهدت انتخابات في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة كانت بين عامي 2004/2005.

تعتبر مشاركة أكبر عدد ممكن من المواطنين في صناعة القرار، ومساهمتهم في رسم السياسة العامة التي تمس حياتهم من خلال ممثليهم المنتخبين في الهيئات المحلية، الغاية الأهم لأية عملية انتخابية، ، وبغض النظر عن مستوى ودور ومكانة تلك الهيئة. هناك غايات أخرى تتفرع عن الغاية الرئيسية وتتحقق ضمناً من خلال إجراء العملية الانتخابية من قبيل نشر الثقافة الديمقراطية، وتمكين الناس من ممارسة حقوقهم واختيار ممثليهم دون وصاية من أحد. وبالتالي، الوصول إلى درجة عالية من الثقة بين الجمهور وقيادته.

ومن أجل تحقيق الغايات المرجوة من العملية الانتخابية، لا بد من توفر عدة معايير تحكم تلك العملية، وأهمها أن تتسم بالفاعلية، وأن تراعي معياري الحرية والنزاهة ، وفاعلية الانتخابات تعني أن تكون الانتخابات وسيلة لغاية أسمى منها، لا أن تكون غاية بحد ذاتها، بحيث تعكس نتائج الانتخابات إرادة الشعب، لا أن تكون مغايرة لإرادته، بمعنى أن لا يتم تجاهل إرادة الناخبين من خلال التلاعب بالنتائج. أما معيار حرية الانتخابات والذي يعني فيما يعنيه احترام الحقوق والحريات كما أقرتها القوانين والأنظمة والمواثيق الناظمة للعمليات الانتخابية؛ ولهذا المعيار أبعادٌ عدة:

بالإضافة للبيئة السياسية والمجتمعية غير المواتية لإجراء انتخابات، كانت مقاطعة بعض الأطراف السياسية الوازنة على الساحة الفلسطينية، كحركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية.

أولها: مبدأ سيادة القانون بديلاً عن الأشخاص، وثانيها: مبدأ التنافس في الانتخابات، بحيث لا تقتصر العملية الانتخابية على مرشح وحيد، بل لا بد وأن تتوفر بدائل وخيارات متعددة من المرشحين أمام الناخب، وأن تترك له حرية الاختيار من بين البدائل المتاحة. ثمة معيار آخر مهم ينبغي أن يتوفر للعملية الانتخابية التي يراد لها أن تكون صحيحة، وهو معيار نزاهة الانتخابات، والذي يرتبط مباشرة بالهيئة التي يناط بها الإشراف على العملية الانتخابية، بحيث تلتزم الحياد التام مع مختلف أطراف العملية الانتخابية، من أجل تكافؤ الفرص أمام المواطنين للمشاركة في العملية الانتخابية ترشيحاً وتصويتا. من ناحية أخرى فإن النزاهة تقتضي وضع سقف زمني دوري يحدد مواعيد إجراء الانتخابات في أوقاتها المنتظمة، بحيث لا يسمح بتمديد فترة الدورة الانتخابية مهما كانت الأسباب.

عند إسقاط المعايير سالفة الذكر على انتخابات الهيئات المحلية الفلسطينية 2017، وفحص مدى توفر هذه المعايير، لوجدنا أن البيئة السياسية والمجتمعية التي جرت فيها الانتخابات لا تساعد على جعل هذه المعايير جزءا من العملية الانتخابية ، لأنها جرت في ظل انقسام سياسي وجغرافي بين أجزاء الوطن الواحد وفي ظل التضييق على الحريات بمختلف أنواعها، عدا عن غياب روح التنافس فيها. يجدر التنويه هنا أن أداء الهيئة المشرفة على الانتخابات (لجنة الانتخابات المركزية) وسلامة الإجراءات التي رافقت العملية الانتخابية، يمكننا من القول بأن الحد الأدنى من الحيادية والمهنية متوفر في تلك اللجنة، وذلك على الرغم من الملاحظات التي صاحبت تشكيلها.

يتضح للمهتم بالشأن الفلسطيني غياب حالة التنافس في الانتخابات، والتي كان أبرز مظاهرها نسبة الهيئات المحلية التي اقتصر الترشح فيها على قائمة واحدة إلى المجموع الكلي للهيئات التي شملها قرار إجراء الانتخابات وهي، حيث وصل عددها (180) من أصل(391) هيئة ، بنسبة بلغت (46) بالمائة بينما الهيئات التي ترشحت فيها أكثر من قائمة (145) هيئة وبنسبة بلغت (37) بالمائة، في حين بلغت نسبة الهيئات التي لم تترشح فيها أي قائمة (13) بالمائة وعددها (70) هيئة محلية.

وفيما يتعلق بالأسباب وراء غياب التنافس بين جمهور الناخبين، فبالإضافة للبيئة السياسية والمجتمعية غير المواتية لإجراء انتخابات، كانت مقاطعة بعض الأطراف السياسية الوازنة على الساحة الفلسطينية، كحركة حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، علاوة على ذلك فإن النظام الانتخابي النسبي كان له أثراً بارزا في ذلك. فالنظام النسبي لا يفسح المجال لمرشحين كُثر من خوض الانتخابات بشكل مستقل عن القوائم، حيث توجد صعوبات لدى كثير من المواطنين في تشكيل قائمة بشكل منفرد. أضف إلى ذلك، الصورة السوداوية التي رسمت لدى المواطن عن العملية الانتخابية ونتائجها، جراء ما تمخّض عن الانتخابات المحلية والتشريعية التي سبقتها في الأعوام 2004-2005 و 2006 من انقسام وحصار وتعطيل للحياة العامة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

تحقيق غايات العملية الانتخابية، يستدعي حضور مقدمات صحيحة تتطلبها العملية الانتخابية، ربما يكون على رأس هذه المتطلبات توفير بيئة سياسية ومجتمعية، يسودها التوافق وأجواء من الحرية والنزاهة.

وبالرغم من سلامة إجراءات العملية الانتخابية، فإن الغاية المرجوة من الانتخابات لم تتحقق بمشاركة عدد كبير من المواطنين والأحزاب في العملية الانتخابية ترشيحاً وتصويتا، مما يوحي بأن سلامة الإجراءات ومهنية اللجنة المشرفة على العملية الانتخابية وحدهما لا يكفيان لإطلاق وصف الانتخابات الديمقراطية عليها.

إن العبرة ليست في العملية الانتخابية بقدر ما هي في نتائجها وتداعياتها فيما بعد على الهيئات المحلية وعلاقتها بالمواطن، فمجلس هيئة محلية تشكل من خلال فوزه بالتزكية او بنسبة تصويت كلية لم تتعدى نصف عدد الناخبين المسجلين وفي بعض الأحيان أقل من ذلك بكثير، سيجد صعوبة في كسب ثقة الجماهير. وبالتالي، فإن قدرته على الإنجاز ستكون محدودة. لقد كان البعد العشائري حاضرا بقوة في الانتخابات محل الحديث، بدا ذلك جليا في الريف الفلسطيني والمدن الصغيرة، وذلك بسبب غياب التنافس السياسي بين الأحزاب والحركات السياسية، الأمر الذي سينعكس سلباً على أداء مجلس الهيئة المحلية نتيجة لتحول التنافس أثناء الانتخابات الى خصومة، وربما تتطور إلى عوائق يضعها الخصوم أمام مجلس الهيئة.

في الختام، إن تحقيق غايات العملية الانتخابية، يستدعي حضور مقدمات صحيحة تتطلبها العملية الانتخابية، ربما يكون على رأس هذه المتطلبات توفير بيئة سياسية ومجتمعية، يسودها التوافق وأجواء من الحرية والنزاهة، تمكن أفراد المجتمع وأحزابه من خوض الانتخابات ضمن حالة من التنافس تدفع الاحزاب والحركات إلى ترشيح أفضل ما لديها من الكفاءات، وهذا لا يتأتى إلا بإنهاء الانقسام السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والتوافق على تهيئة الأجواء السياسية والمجتمعية تمهيداً لإجراء الانتخابات على كل المستويات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.