شعار قسم مدونات

شرق أوسط جديد

معارك دير الزور تكشف قوة تنظيم الدولة بسوريا
لطالما سمعنا عن شرقٍ أوسط جديد تخطط له القوى الكبرى في العالم، لكن أحداً لم يكترث كثيراً لتلك التصريحات المتوالية الصادرة عن القادة والمسؤولين الدوليين، فجل السوريون باتوا اليوم رهينة لتلك القوقعة التي حبسوا فيها منذ عقود، وحتى عندما وجدوا لأنفسهم بصيص ضوء يبشر بانتهاء عصر العبودية، أتاهم من يدعي تضامنه مع ثورتهم تارة، ويطلق اليد التي أوصدت على أعناقهم تارة أخرى.

واليوم باتت معالم هذا الشرق واضحة كوضوح اللون الأحمر المنتشر في أرجاء سوريا، فبعد أن وجدت الولايات المتحدة ذريعةً لدخولها الأراضي السورية، وبعد أن وجد "حلفاؤها" أيضاً ذرائع جاهزة للدخول، ستبدأ أحدات المعركة الأخيرة التي ستحدد ملامح شرق الولايات الأمريكية الجديد.

انحسار نفوذ تنظيم الدولة وتراجعه المتواصل باتجاه ديرالزور بعد انسحاباته المتتالية من ريف الرقة الشمالي وآخر معاقله في حلب، وبالمقابل خسارته لمعظم المساحات التي كان يسيطر عليها في العراق، وبالتحديد في نينوى والأنبار، وتراجع قواته أيضاً في الجنوب السوري، القلمون الشرقي والبادية السورية.

دفع ويدفع وسيدفع أبناء دير الزور فاتورة كل تلك الأطماع والمخططات الاستعمارية، فقد خلف طيران النظام والطيران الروسي والتحالفي منذ العام 2014 وحتى اللحظة مئات الشهداء معظمهم من الأطفال والنساء.

يقابله تمدد لنفوذ الوحدات الكردية الإنفصالية من الشمال الشرقي تحت غطاء تحالفي روسي، حتى بلغوا الحدود الإدارية الشمالية لديرالزور، فيما يعزز النظام الأسدي مواقعه ويحشد باتجاه المحافظة من كل الجهات.

وبالمقابل هدوء يسود أغلب الجبهات في الشمال وفي ريف دمشق أيضاً، وتهجير ممنهج للسكان من العاصمة وحمص، وتقدم على المدى الطويل لقوات المعارضة في الجنوب والبادية، واتفاقيات ومؤتمرات دولية لا تنقطع، هكذا بالضبط يتم التخطيط والزحف باتجاه سلة سوريا النفطية والغذائية.

ديرالزور التي أهلمت عمداً من قبل نظام الأسد الأب ومن بعده الإبن طوال السنوات المنصرمة، عانت أيضاً من تعتيم شديد، الشيء الذي تسبب بالمزيد من المجازر التي أصبحت شبه يومية والتي راح ضحيتها المئات من أبناء المحافظة، ويبدو أن السبب أيضاً هو ذلك الشرق الأوسط الجديد المخطط له ربما منذ عقود.

فبحسب صحيفة التايمز البريطانية فإن ديرالزور ستكون "برلين الصراع السوري" وإن من سيسيطر عليها سيمتلك زمام الأمور لسنوات قادمة، فكل الاحتمالات واردة، ويحمل كل حلفٍ من الأحلاف في جيبه خريطة لنفوذه وامتداده في المنطقة عبر المحافظة.

– المخطط الإيراني
 تسعى إيران للسيطرة على ديرالزور ودعم قوات النظام بهدف جعل المحافظة نقطة وصل للطريق البري العسكري الممتد من طهران مروراً بدمشق وانتهاءً بالساحل السوري، ولهذا السبب استمرت منذ ست سنوات وحتى اليوم بدعم بقايا النظام في الأحياء الغربية للمدينة، كما أرسلت المزيد من الميليشيات الطائفية إليها بالإضافة إلى الدفع بقوات الحشد الشعبي العراقية الموالية لها، الدفع بها من الحدود العراقية السورية باتجاه البادية.
 

– المخطط الروسي
الاستفادة من أهمية دير الزور الاستراتيجية وثرواتها الباطنية بالدرجة الأولى، ومن ثم ترسيخ سيطرته عن طريق دعم القوات لنظام وتغذية ميليشياته، ودخول الدور الروسي رسمياً في الملف العراقي كورقة ضغط على الحكومة الأمريكية.
 

– المخطط الأمريكي
السيطرة على المحافظة بالنسبة للقوات الأمريكية هي الأولوية الأولى، والهدف الذي تسعى حكومة الولايات المتحدة منذ بدء الثورة السورية، تسعى لتحقيقه والسيطرة على موارد المحافظة النفطية وحقول الغاز القريبة أيضاً، إضافة إلى جعلها ورقة تفاوض رابحة بحسب وجهة النظر الأمريكية، وورقة ضغط على إيران وروسيا، لاستخدامها في عند أي مستجد على ساحة الشرق، إضافة إلى سعي الحكومة الأمريكية لاستثمار المحافظة مستقبلاً.
 

ستكون مدينة دير الزور "برلين الصراع السوري" وإن من سيسيطر عليها سيمتلك زمام الأمور لسنوات قادمة، فكل الاحتمالات واردة، ويحمل كل حلفٍ من الأحلاف في جيبه خريطة لنفوذه.

وبالطبع هذا ما جعل الحكومة الأمريكية تدعم الثوار والانفصاليين الأكراد في آن واحد، رغم اختلاف سياستهما تماماً وعدم انسجامهما، بهدف إطباق فكي الكماشة على تنظيم الدولة الذي بات يحتضر "أو يراد له أن يبدو كذلك".

فيما دفع ويدفع وسيدفع أبناء دير الزور فاتورة كل تلك الأطماع والمخططات الاستعمارية، فقد خلف طيران النظام والطيران الروسي والتحالفي منذ العام 2014 وحتى اللحظة مئات الشهداء معظمهم من الأطفال والنساء بحجة "القضاء على الإرهاب" في سلسلة من الغارات الهمجية التي تركزت على مدن البوكمال والميادين ومركز مدينة دير الزور بالإضافة إلى ريفي المحافظة، ومن ناحية أخرى أجهز تنظيم الدولة على من تبقى بالإعدامات اليومية التي ينفذها التنظيم بحق مدنيي المنطقة.
 

بيد أن هذه المجازر المستمرة لم تلفت لا انتباه المجتمع الدولي النائم، ولا حتى المتباكين على الشعب السوري، الذين غيّبوا دير الزور حتى عن اتفاقيات خفض التوتر التي لم تتضمن ولو في سطر واحد "وقف استهداف مدنيو دير الزور". فهل حُكِم على هذه البقعة من الأرض السورية بالنسيان والموت المؤبد؟ أم أنها ستكون الأضحية في الطريق لبلوغ الحرية؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.