شعار قسم مدونات

المقامة الفَرَحيَّة

CAIRO, EGYPT - DECEMBER 18: A bride dances during a traditional Egyptian wedding party on December 18, 2016 in Cairo, Egypt. Since the 2011 Arab Spring, Egyptians have been facing a crisis, the uprising brought numerous political changes, but also economic turmoil, increased terror attacks and the unravelling of the once strong tourism sector. In recent weeks Egypt has again been hit by multiple bomb blasts, the most recent killed 26 Christians inside the St Peter and St Paul Church during Sunday mass. As Christians took to the streets chanting anti-government slogans, fears grow of an escalation in militant activity which would further deal damage to a country trying to rebuild. In recent months protests against rising fuel and food prices, calls for mass anti-government demonstrations and the continued terror attacks have seen Egyptian president Abdel Fattah Al-Sisi, suffer a significant drop in popularity. Mr. Al-Sisi has promised change, fearing anger and desperation could lead to popular unrest, however inflation currently sits at the highest level in seven years, jobless rates are above 13percent and more than 90million people are said to be living in poverty. The outlook forced the government to seek a $12 billion bailout from the International Monetary Fund, pushing the country to float the Egyptian pound to qualify for the loan. The move led to a sharp devaluation of the Egyptian pound which now sits at 18EGP to the dollar. The turmoil is affecting not only the poor but both the middle-class and the wealthy as food and commodity prices skyrocket. (Photo by Chris McGrath/Getty Images)
حدَّثنا أبو الوليد نادر بن شريف، وهو رجلٌ عاقلٌ حصيف، قال: بينما أنا جالس في حُجرتي، أقضي يوم عُطلتي، أُجاهد العيال وأمَّهم؛ فهذا يوم الشِّجار بيني وبينَهم، إذ قرَع علينا الباب، مجموعةٌ مِن الشباب، فأسرعتِ ابنتي لتَفتح لهم، فأهدَوها دعوةً لحضور عُرس أحدِهم، فأتتْني بها تتهادى، وأنا في خمولي أتمادى، وبعد تثاؤب وكسَل، قمتُ مِن غير عجَل، وفتحتُ الدعوة لأقرأ ما فيها، ولأَعرِف أصحاب الدعوة ومُرسليها.

فإذا هي دعوة لحضور زَواج الأستاذ "البرنس"، من الآنسة الكريمة "s"، فأخذتُ أسال نفسي مُتعجِّبًا، ولكفِّي بكفِّي ضاربًا: أوَيتزوجُ هؤلاء الناس الرموز؟ أم أنَّ ذكرَ اسم الزوجة لا يجوزُ؟ ألهذا الحدِّ وصلتِ الغيرة بالناس؟ أم أن هذا ضربٌ من ضروب الوَسواس؟ أم أنها عادةٌ يَعتادونها، مثل أمور كثيرة لا يُدركون كُنهَها؟
 
ثمَّ تأملتُ فيما قرأتُ، فأمَّلتُ خيرًا واستبشرتُ؛ فلإن كان الناس بهذا المقام مِن الحِفاظ، حتى إنَّهم يُخفون أسماء نسائهم بين الألفاظ، فهم لهنَّ أصون عن اللِّحاظ، وعن العيون الغِلاظ، ووالله إنَّ غيرة المحبِّ على محبوبه لهي الهدى كلُّ الهدى، وفي الصيان والحِفاظ الرضا كل الرِّضا، فانبلجَتْ أساريري انبلاجًا، وابتهجتُ لذلك ابتِهاجًا.

رأيتُ مِن المُنكرات ما تَشيب له الرؤوس، وتشمئزُّ منه النفوس، فيا لهؤلاء الناس كيف بدَّلوا نعمة الله كفرًا؟ وكيف حُمِّلوا في يوم فرحتهم وزرًا؟ إذ أنعَم الله عليهم بالنِّعَم، فاستقبلوها بما يَستجلب النِّقَم.

أتى يوم الزواج، بالفرحة والابتهاج، فلبستُ فخْم ثيابي، وبكَّرتُ في ذهابي، فكنتُ أول الحاضِرين، فجلستُ حتى حين، فما هي غير ثوان، حتى نصَبوا "الصِّوان"، وعلَّقوا المصابيح والأنوار، كأنهم سيُحوِّلون الليل إلى نهار، وأخذتُ أجولُ في الصِّوان، خلوًا من الخلان، فِراشٌ ممدودٌ، وسقفٌ مشدود، أتأمَّله تأمُّل المُعجَب، وما لي فيه كبير مطلَب، حتى وجدتُ مكان الطعام، والأَواني والأطباق الضِّخام، ومجلس الطُّهاة الفِخام، فجلستُ بقُربِهم، أتلو الأشعار في حبِّهم، وما كان بيني وبينهم سابق معرفة، إلا محبتي وتعلُّقي بالمغرفة!

وأقبل الليل يُغالب النهار، فقهرناه بما عندنا من المصابيح والأنوار، فناءَ بكلكلِه، وعاد إلى موئله، وأتى الناسُ مِن أطراف المدينة، متزيِّنين بكل زينة، ولم يمضِ غير قليل من الزمان، حتى غصَّ بالناس الصوان، من الأحباب والأهل والخلان، واشتغل الـ"دي جي" بأغاني المجون، فترامى إليه كل مفتونة ومفتون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ووصل العروسان إلى مكان الاحتفال، فازداد الهياج واختلاط النساء بالرجال، ونظرتُ فإذا "s" بين صويحباتها وقفَت، كالشمس إذ طلعَت، وقد بدا من جسمها أكثر مما سترتْ، فعجبتُ لزوجها؛ إذ يَغار من ذكر اسمها، ويكشف للناس جسمها! وازدادت دقَّات الغناء، وتراقَص الرجال والنساء، وارتفع صوت الـ"دي جيه"، وتحوَّل الصِّوان إلى كباريه، وإذا هو:

مرقص عابث يعجُّ عجيجًا
كلُّ ما فيه جلبةٌ وصياحُ

غاضَ ماء الحياء فيه وأضحى
كل شيء في جوفه يُستباحُ

ما ضرَّهم لو أنهم فرحوا مِن غير أن يعصوا الله، وهذا غاية السعد ومُنتهاه! فخرجتُ مسرعًا من بينهم، مُستغفرًا من سوء فعالهم، حزينًا لما حلَّ بهم، راثيًا باكيًا لحالهم..

أهذا حفاظكُم يا أهل الحفاظ؟ أهذا صون أسماء نسائكم عن الألفاظ؟ أين ذهبت نخوة الرجال؟ وكيف ضاع حياء ربَّات الحجال؟ لقد صرتم للخلاعة موئلًا وعنوانًا، وصرتُم للدياثة أهلًا وخلانًا!

ورأيتُ والد العروس، يجول في الناس ويجوس، جسد ضخم، وثوب فخم، شاربه قد مُدَّ على خديه، وشاله مرخي على كتفيه، وقف مرحِّبًا بالزائرين، يوزع ابتسامته عليهم بين الحين والحين، يقدم لهم واجب الضيافة، بكل لطف وظرافة، فانتظرت حتى آخذ واجبي.

وظللتُ أنظر إليه حتى تعقَّد حاجبي، فإذا هذا الواجب قطعة حشيش وسيجار، ويده الأخرى تحمل مشعل النار، ألا ما أقبح هذا الصنيع وأشأمه، وما أضلَّ هذا المضيف وألأمه! وأخذتُ أقلِّب طرفي بين الحضور، فهذا جاء للرقص، وهذا رجل مخمور، وهذا يدخِّن الشيشية، وهذا يتناول الحشيشة..

ويُديرونَ نَارِجِيلةَ نُتْن
بين شبانهم وبين الشيوخِ

خلتُهم من المُكاءِ والرقصِ والضـِّحك 
 دَجاجاً تنافرتْ عن فروخ

وصل العروسان إلى مكان الاحتفال، فازداد الهياج واختلاط النساء بالرجال، ونظرتُ فإذا "s" بين صويحباتها وقفَت، كالشمس إذ طلعَت، وقد بدا من جسمها أكثر مما سترتْ.

ورأيتُ مِن المُنكرات ما تَشيب له الرؤوس، وتشمئزُّ منه النفوس، فيا لهؤلاء الناس كيف بدَّلوا نعمة الله كفرًا؟ وكيف حُمِّلوا في يوم فرحتهم وزرًا؟ إذ أنعَم الله عليهم بالنِّعَم، فاستقبلوها بما يَستجلب النِّقَم، وما ضرَّهم لو أنهم فرحوا مِن غير أن يعصوا الله، وهذا غاية السعد ومُنتهاه! فخرجتُ مسرعًا من بينهم، مُستغفرًا من سوء فعالهم، حزينًا لما حلَّ بهم، راثيًا باكيًا لحالهم..

عجبي بالغٌ وحزني شديد
لأُناس أتراحُهم أفراحُ

نُكبوا في نفوسهم وحِماهم
وعلتْهم مِن الهَوان جراحُ

قلت: ثمَّ ماذا يا أبا الوليد؟! – قال: ثم همٌّ ونكد، وضيق من بعد رغد، وذهابُ البركات، وضياع الخيرات، ومسغَبة تعقُب الإسراف، ودنوٌّ من بعد إشراف، إلا من تاب وخاف! ثم قام وحيَّا وشكر، وقد طاب لنا في ليلتنا السمَر، فحيَّيتُه وودَّعته، بعدما وعيتُ ما سمعتُه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.