شعار قسم مدونات

السالكون إلى الله في رمضان

مدونات - الصوم
يدنو رمضان.. ومعه تزدحم آمال المشتاقين النابهين، أولئك الذين رفعوا أشرعة مواجيدهم من لدن شعبان، يرجون انغماسا بفُيوض الرحمة القادمة عسى مغفرةً وعتقا ينالهم فتتحقق لهم الفرحتان.. رمضان فيض تحفيز الله للمتقربين المتخلِّصين وتهيئة المسالك لهم بتصفيد الجواذب التي ليست منهم وقد (صفدت الشياطين ومردة الجن) "مسلم" .. حتى يواجهوا ذواتهم كما هي فيتعرفوا عليها إذ تتعرى أمامهم من كل قيد سوى أوزارها..

رمضان فيض كرم الله للقُربانيين المخلِصين، وهُم المُتقرِّبون وقد نالتهم الرحمة إذ عزموا العمل ودخلوا مقام التوبة من إهمالهم ذواتهم ونسيانهم رعونات أنفسهم التي طالما اشتغلوا عنها بغيرها..، وها هم قد بادروا إلى مقاريض التشذيب يُهذّبون نشازها ويُصلحون عَوَرها.

والعتق فيض نور الله للمُقَرَّبين المخلَصين، وهُم القُربانيون وقد نالتهم المغفرة إذ أرادوا وجه الله ففازوا بتقريبه لهم لمَّا تجلت أنواره فيهم فصاروا أولياءه بما جاهدوا فيه وأخلصوا.. ولأن هؤلاء السالكين جمعوا بين أنين الأسحار وسَبْح النهار فقد باتت خلواتهم معين جلواتهم.

تقشعر جلودهم ثم تلين إلى وصل الأسحار إذ تستيقظ قلوبهم لتشهد الأنوار حيث أبواب الحضرة مُشرَعة لمن أراد أن يدلف مع الأولياء.. ينهلون أنوار المسير في الحياة كفاحا وجهادا لحياة هي الحياة.

وأضحت بذلك فرحة أحدهم فرحتان: فرحة عند إفطاره إذ عاد ظافرا بذاته في نور ربه (كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) النور: 35..، وفرحة عند لقاء ربه وقد اشتاق إليه إذ أذاقه فأحب لقاءه و(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه) "البخاري".

وليس هاديهم في التّحقُّق بتلك المنازل إلا الكتاب في موسم نزوله (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) البقرة:185، وكأنهم يشهدونه غضًّا نَدِيا في إبّانه، بل وكأنه عليهم يتنزل..، فها هم قد صَفُّوا الأقدام خاشعين يرشفُون من تراتيل التراويح ما به تحيا أرواحهم (وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا) الشورى:52..

تقشعر جلودهم ثم تلين إلى وصل الأسحار إذ تستيقظ قلوبهم لتشهد الأنوار حيث أبواب الحضرة مُشرَعة لمن أراد أن يدلف مع الأولياء.. ينهلون أنوار المسير في الحياة كفاحا وجهادا لحياة هي الحياة.. بل فيض الحياة؛ (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) العنكبوت:64.

وليس حاديهم في سلوك تلك المنازل إلا محمد صلى الله عليه وسلم يَؤُمُّهم من خلواته الأولى بحراء إلى اعتكافاته الأخير بمسجده عليه الصلاة والسلام..، جامعا قلبه على ربه، والروح الأمين جبريل على عهد به لا يتخلّف..، يُدارسه القرآن مذ نزل به عليه، كذلك كان صلى الله عليه وسلم يشد مئزره ويوقظ أهله..، يخشى عليهم فوت شهود الأوقات..

كل ذلك لا يصرفه عن جلوات الجهاد إحسانًا إلى الخلق وَجُودًا كما الريح المرسلة، ونفرةً في سبيل الحق لم تلِن أو تتخلف من بدرٍ إلى الفتح.. فما بين الخلوة والجلوة ختم محمد صلى الله عليه وسلم الدين.. وجعل رمضان بابا ريّانا للسعادتين..، فهل من مُتَنَمْذِجٍ به صلى الله عليه وسلم سالكٍ بالله إلى الله في شهر الله؟
_______________________________________________________________________________________
(1) – (المتقربون، القربانيون والمقربون)، استعارة من د. طه عبد الرحمن في كتابه: "العمل الديني وتجديد العقل".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.