شعار قسم مدونات

الجنوب وأبناء 90.. لنتعايش

A man waves Yemeni flags during a ceremony marking the anniversary of the September 1962 revolution in Sanaa, Yemen, September 26, 2016. REUTERS/Mohamed al-Sayaghi
أنا هنا لن أناقش قضية الجنوب اليمني بكل تفاصيلها السياسية، وإنما سألقي الضوء على الآثار الكارثية -التي صنعتها وحدة غير مكتملة الأركان- اجتماعيا، من خلال ملاحظاتي واحتكاكي بشباب الجنوب أو لنقل بعضهم، من هم في مثل سني وأصغر قليلا، فرسالتي موجهة إلى هؤلاء. وحدة استغل عدد قليل جدا من شمال اليمن وجنوبها -كمافيا خراب- كل ثرواتها وطاقات شبابها لصالحهم الخاص، وتركوا معظم الشعب اليمني من شماله وجنوبه يتخبط في الظلام الدامس.

أنا هنا لست أيضا في صدد الدفاع عن الإصلاح، أو أصدقاء وإخوان وغيرهم مِن مَن صوتوا لعلي صالح في يوم من الأيام، واختاروه دون غيره، ووقفوا معه يوما ما لأسباب كثيرة يرونها هم كافية لاختياره، وتشفع لهم موقفهم. أنا هنا في سبيل الدفاع عن النسيج الاجتماعي الذي تقطع ويتقطع كل يوم، وزاد من شرخه ما أحدثه الحوثيون وحليفهم صالح في الآونة الأخيرة لإكمال ما بدأت به تلك المافيا، للدفاع عني وعن غيري من أبناء سني، مواليد التسعينات، الذين لم يتجاوزوا العشر سنوات في أول انتخابات لعلي صالح، الذين ذهبوا لمراكز الاقتراع للتسلية وركوب السيارات في الطالع والنازل ليس إلا، للدفاع عن أولئك الشماليين أو "الدحابشة"، وخاصة في المناطق الوسطى، الذين ليس لهم من كلمتي شمال وجنوب واليمن بأسرها إلا الجغرافيا.

شرب أبناء التسعينات، خاصة، جرعات كبيرة جدا من الحقد، والكراهية، لكل من وما يقبع في شمال اليمن إلا من رحم ربي، دون إمعان النظر أو التفكير لثواني معدودة، ودراسة القضية من جذوره.

أنا ضد كل انفصال في الوطن العربي، وتقسيم كعكة مقسمة مسبقا، أنا لا أريد الانفصال، لسبب عميق جدا؛ وهو أن في الوقت الذي يسعى الكثيرون من أبناء هذه الأمة في توحيد الصفوف المبعثرة، وترقيع الرقع الممزقة، نقوم نحن -لأسباب وأهداف ضيقة- بتجزئة المجزأ، وتقسيم المقسم. وحتى لا نمد يد العون لمن يريد تقسيم المنطقة وتغيير الخريطة وما أكثرهم، وحتى لا نكون ممثلين ونجوما في أجزاء قادمة من مسرحية تراجيدية حزينة ومبكية تحت أسماء مختلفة، كالحريات، والحقوق، وما كانت "سايكس بيكو" إلا أول أسماء تلك المسرحية. وهذا لا يعني إطلاقا أنني ضد مطالبة الجنوبيين بحقوقهم المستباحة، وإرجاعها لأهلها، والتي لم يكن لمعظم الشعب اليمني الشمالي اليد الطول في استباحتها كما أسلفنا، كما لا مانع لدي أن يحكم اليمن كلها جنوبيون أكفاء، يثبتون قدرتهم على قيادة البلاد.

دائما التعميم مشكلة عويصة، لكن هنا لا مجال للحديث حتى عن التعميم من عدمه، حتى القول بأن بعض الشماليين شاركوا في وأد الجنوب واستغلال ثرواته وأراضيه يعتبر إجحاف أيضا، لأن من قاموا بذلك يمكن عدهم بأصابع اليد، عصابة عنصرية استغلت ووظفت موارد البلاد شمالها وجنوبها لصالحها بنسب متفاوتة، ومن ضمن هذه العصابة من أبناء الجنوب أيضا، شاركوا صالح وعصابته في دفن اليمن عميقا تحت التراب لسنين عديدة، بلا تعليم، ولا اقتصاد، ولا صحة، وليس هادي منكم ببعيد وهو ابن أبين وولدها البار. ولو تكاتفنا، ووضعنا أيدينا بأيدي بعض، واتجهنا لتحقيق هدف واحد، وهو إقامة دولة عادلة، دولة نظام وقانون، تؤمن بالحقوق والحريات، لاستطاع حينها الجنوبيون وفي ظلها المطالبة بما أرادوا بعكس دولة الحوثي وصالح، وإذا قامت دولة غير ذلك وشبيهة بسابقتها، سنقف كلنا صفا واحدا في وجهها وكأن 11 فبراير لم تكن.

حسب ملاحظاتي المتكررة، شرب أبناء التسعينات، خاصة، جرعات كبيرة جدا من الحقد، والكراهية، لكل من وما يقبع في شمال اليمن إلا من رحم ربي، دون إمعان النظر أو التفكير لثواني معدودة، ودراسة القضية من جذورها، يكيلون عليك التهم، وعملية التقسيم والانفصال لا تفارق نواصيهم، كان آخرها اتهام أفراد مقاومة تعز ضد الحوثي بالدواعش والقاعدة وهي نفس الصفة التي يطلقها الحوثيون ومؤيدو صالح على أبناء تعز، وحشر قائلها نفسه ومؤيدوه في قفص الحوثيين بغض النظر عن معرفته أو جهله أن تلك التفاهات التي خرجت من فمه تجعلنا لا نفرق بينه وبين الحوثيين، وهي المدينة التي دفعت ومازالت تدفع كل يوم من دماء أبنائها ثمنا لوقوفها في طريق الحوثيين وهم في اتجاههم نحو الجنوب.
 

أبناء التسعينات أشربوا فكرة أن دولة كاملة الأركان سلبها منهم شمالي متعجرف، ومستعمر لا يختلف تماما عن الاستعمار الإنجليزي لتلك المنطقة، مستعمر ومغتصب خطف آمالهم وأحلامهم بين ليلة وضحاها، دون إيضاح أن الاندماج كان باتفاق من الطرفين، دعمته كل فئات المجتمع اليمني شمالا وجنوبا، حتى انحرف الطرف الشمالي ممثلة برؤوس المافيا المذكورة آنفا عما تم الاتفاق عليه، جعل الطرف الجنوبي يعيد تفكيره في موضوع الاندماج في الوقت بدل الضائع. هنا ستقول مادام الشمالي انحرف وقدم مصالحه على المصلحة العامة، من حقي أعيد النظر في الاندماج، وهذا القول لا يشوبه شائبة، ولكن في الوقت الذي تقف فيه الآن كل فئات المجتمع ضد تلك المافيا كيد واحدة فسامحني لو قلت أنَّ الانفصال لن يكون الحل الأنسب.

لنقل بصوت واحد: حتى وإن تقسمنا إلى شطرين، تستطيعون تقسيمنا جغرافيا إلى دولتين، لكن من المستحيل تقسيمنا إلى شعبين، سنكون ببساطة شعبا واحدا في دولتين.

سمعت سابقا مثالا لما حدث، أظنه يجسد ما حدث بدقة، سمعته من صديق يقول فيه: أسرتان تعيشان في منزلين صغيرين، اقترح أحدهما واتفقا على ترك المنزلين والانتقال إلى منزل آخر جديد وكبير وبمميزات أفضل بكثير من تلك التي سيتركونها، تم إعطاء القيادة لربان إحدى البيوت دون الآخر لكن بموافقته وانطلقا، طال الطريق ولم يصلا، أحس سكان البيت التي لا تقود أن هناك حيلة أحيكت ولن نصل يوما لتلك البيت الموعود، فندم وقرر العودة في الوقت الذي لا ينفع الندم. انتهى مثاله.

بعد هذه القصة ستقول: خدع أحدهما الآخر ومن حقه العودة، ولكن في الوقت الذي يقف كل أفراد الأسرتين ضد تلك القيادة، نقول: سنصل إلى ذلك المنزل الكبير بعد رمي تلك القيادة في المزبلة واتخاذ قيادة بدماء شبابية جديدة.

في الأخير وكما قلت رسالتي للشباب، أن اعملوا عقولكم، ستجدون أبناء الشمال اليوم لا ذنب لهم بما حصل وما يحصل، وأنهم خدعوا كما خدعتم وتم بيعهم بثمن بخس أيضا، ووقعوا ضحية لعبة كبيرة نجومها من الطرفين. ولنقل بصوت واحد: حتى وإن تقسمنا إلى شطرين، تستطيعون تقسيمنا جغرافيا إلى دولتين، لكن من المستحيل تقسيمنا إلى شعبين، سنكون ببساطة شعبا واحدا في دولتين، لقد تزوج ابن الجنوب من بنت تعز، وتزوج ابن ذمار من بنت حضرموت، لن تمنعوا ولدا من الشمال من زيارة خاله، ولن تصدوا طفلة من الجنوب عن الاطمئنان على صحة جدتها، اختلطت الدماء، وما عليكم إلا إخراجها من عروقها. فلنكن شعبا واحدا في دولة واحدة، دولة تؤمن بالرئيس والوزير كموظف يقوم بواجبه مقابل راتب شهري لدى كل مواطن بغض النظر عن مكانته الاجتماعية، أو منطقته، أو مذهبه، تعطي الضعيف حقه من القوي وتنتزعه انتزاعا دون هوادة، تبني ولا تهدم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.