شعار قسم مدونات

الإخوان المسلمون كما عرفتهم

مدونات - الإخوان
منذُ يومِ الدولةِ الإسلاميّةِ الأول، حرصَ النّبيُّ الكريمُ على أن يكونَ أفرادُها جماعةً متآخيةً مادياً وروحياً؛ كالبنيان يشد بعضه بعضاً، فكانوا يؤثرونَ على أنفسهم ولو كانَ بهم خصاصة. ولمَّا مرَّتْ بالأمّةِ السنونُ وتفرّقتْ بها السُّبُلُ؛ صارتِ الدولةُ دويلاتٍ، والجماعةُ جماعاتٍ، فكلُّهم يصبغُ دولتَهُ بصبغةِ الإسلام، ويسِمُ جماعتَهُ بالفرقةِ النَّاجية.

أمَّا في زماننا فالدُّويلاتُ فوق أن نعدِّدها هنا، والجماعاتُ أكثر، بل في كل عامٍ تولد جماعةٌ أو جماعتان. والحديثُ هنا باقتضابٍ عن تلك التي هدفها -المعلنُ على الأقلّ- إعادةُ الأمةِ إلى شأنها الأول (دولةٌ واحدةٌ، وزعيمٌ واحد)، بل الحديثُ خصوصاً عن جماعةِ الإخوانِ المسلمين؛ كونها الأكبرُ و الأقدرُ، بلْ والأشهر، وإن كانت اليومَ تعيشُ أزمةً حرجةً فَصلتْ قيادتَها عن قاعدتِها، ولا تُدرى بعدُ مآلاتُها.

وليس المرادُ في هذا المقامِ تفنيدُ ما يوجَّهُ للجماعةِ من نقدٍ في هيكلها، أو سِريِّةِ تنظيمها، أو في نشاطاتها. كما ليس المرادُ تعديدَ مناقبِ الجماعةِ من دِقَّةِ التنظيمِ، وخيريَّةِ المشاريع، فهذا له أهله المقتدرون، بل المرادُ توصيف بعض ما عايشتُ من أحوالِ شبابِ الجماعةِ في محيطيَ الضَّيِّق.

وفي الغربِ حيثِ أنا، أثرُ شبابِ الإخوانِ بارزٌ -أكثرَ من أثرِ غيرِهم- في حثِّ المسلمينَ على الاندماجِ في محيطهم: تأثراً بهِ وتأثيراّ فيهِ، مع الحفاظِ على الهويَّةِ الثقافيَّةِ والخصائصِ الدينيةِ، دونما ذوبانٍ أو صدودٍ ونكران.

فشباب الإخوانِ من أكثر من عرفتُ نشاطاً وتضحيةً، كأنّهم بذلك يُلبُّونَ نداءَ المؤسَّسِ الأول: (أيها الإخوان، هل أنتم على استعدادٍ أن تجوعوا ليشبعَ الناسُ، وأن تسهروا لينامَ الناسُ، و أن تتعبوا ليستريحَ الناسُ، وأخيراً أن تموتوا لتحيا أمَّتُكم، هكذا تكونون صادقين بحقٍ مع الله)، فترى لهم كثيراً من الأعمالِ الخيريّة، والنشاطاتِ الدوريَّة، وذلك ما يعزِّزُ لديهم روحَ الجماعةِ ووشائجَ الأخوَّة. كما أنهم عمليُّون جداً؛ فتجدهم إذا اجتمعتَ بهم تدورُ أحاديثُهم حول قضايا تَهُمُّ مجتمَعهم وأمتَهم بعيداً عن التَّنظيرِ المُفْرطِ، والأحلامِ بعيدةِ المنال.

ومن المعلومِ بالضرورةِ أن التَّطرفَ -ودون شكٍّ- يعتري كلَّ جماعةٍ ومجتمعٍ، وكذلك الحالُ مع شبابِ الإخوانِ غيرَ أنه ليس بمستفحلٍ بينهم، فلا تسمعُ منهم تكفيراً، أو احتقاراً لغيرهم من الجماعاتِ، أو انتقاصاً منها. غيرَ أنه قد يصلُ مَسمَعكَ غلوُّ بعضهم في المؤسِّسِ رحمه الله، فمنهم من يحفظُ أقوالَه، ويروي آثارهُ، و لا يطيبُ لهُ ذكرُ اسمهِ إلا أن يُسبقهُ بالإمامِ ويُلحقهُ بالشَّهيد، وقلْ مثلَ ذلك في سيّد قطب مفكِّرُ الجماعة الأشهر. يشبهُ هذا ما عند بعضِ شبابِ السّلفية من غلوٍّ في ابن تيميّةَ والألبانيَّ وابن بازِ وابن عثيمين، فلا يكادون يستدلُّون بغيرهم، حتى يقولَ لسانُ الحالِ: عجزتِ الأمةُ أن تلدَ غيرَ هؤلاء!

وفي الغربِ حيثِ أنا، أثرُ شبابِ الإخوانِ بارزٌ -أكثرَ من أثرِ غيرِهم- في حثِّ المسلمينَ على الاندماجِ في محيطهم: تأثراً بهِ وتأثيراّ فيهِ، مع الحفاظِ على الهويَّةِ الثقافيَّةِ والخصائصِ الدينيةِ، دونما ذوبانٍ أو صدودٍ ونكران، فهم أكثرُ الشبابِ وعياً بواقعهم؛ لشموليةِ نظرتهم التي تعمُّ كلَّ جوانبِ الحياة، ولمقارباتهمُ الوسطية التي وازنتْ عندهم بين الواقعِ والمأمولِ، فلم يُسرفوا ولم يَقْتُروا.

برغمِ اعتقادي بحتميَّةِ التَّغييرِ في الهيكليَّةِ العتيقةِ لجماعةِ الإخوانِ؛ لمواكبةِ المستجداتِ المتسارعةِ، وتحقيقِ ما تصبو إليه من أهدافٍ، أؤمنُ أن شبابَ الجماعةِ أجملُ ما أنتجتْ عبرَ سنينِ التربيةِ والقدوةِ العملية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.