شعار قسم مدونات

أنت الجماعة ولو كنت وحدك

مدونات - الإخوان المسلمون

لا يخفى على أحد من أبناء دعوتنا أو من محبيها بل حتى من أعدائها وكارهيها ما يحدث داخل البيت الإخواني الكبير، من خلافٍ كان أو اختلاف، شقاقٍ هو أو انشقاق، صراع قيادة كان أم عصيان، فقد كان ما كان مع اختلاف المسميات وتنوع التحليلات، ولكن هذه ليست قضيتي، فأبناء دعوة الإخوان المسلمين يعرفون ثوابت دعوتهم جيداً ومواقف قيادتهم، كم يعرف أحدهم موقع قدميه في الصف سواءً بسواء.

لذا أتوجه بكلمتي هذه إلى هؤلاء فقط، إلى من ثبت كالجبل الأشمّ ولم تعصف به المحنة، إلى أبناء الدعوة الخالدة، رجال المرحلة، ورفقاء الدرب، وإخوان الشدائد، إلى الثابتين العاملين من أبناء دعوة الإخوان المسلمين، أصحاب المرؤة والوفاء، والله وددت لو أقبل رأس كل فرد منكم وأشد على يديه واهتف بثبات في روحه قبل أذنيه، اثبت يا أخي فأنت الجماعة ولو كنت وحدك.

مرت الجماعة أيها الثابت المجاهد بما لايتخيله عقل من مؤامرات وفتن، ذهب أصحابها إلى ربهم، وبقيت المواقف حاضرة وأصحابها غائبون، فلا يغرنك ضجيج القوم فما هو إلا غثاء كغثاء السيل.

أتوجه بكلمتي إلى من تقاسمنا معهم خبز الكتائب، وسهرنا معهم نوبات الحراسة على بوابات رابعة العدوية، وضمتنا جميعاً محاضن جماعتنا التربوية، إلى من بكينا معهم ليالي الاعتكاف في رمضان، ومن وقفنا معهم جنباً إلى جنب نستقبل الناس بالخلاء في الأعياد، إلى رفقاء المسيرات في الشوارع والميدان، ومن كنا نتزاحم معهم بالركب في معسكرات التربية والإعداد، إلى جلساء المساجد ونقباء الحلقات، إلى المشائين في الظلم بلجنة البر ومسئولي الأشبال. وهي كذلك لتاج رؤوسنا وفخر دعوتنا قادتنا الميدانيين القائمين بالأعباء الذين تسد بهم الثغور وتتقى بهم المكاره، أتوجه بكلمتي حسبةً لله، ونصيحة يفرضها علينا الدين، واعترافاً بالفضل وحفظاً للجميل.

يا أخي أنت الجماعة ولو كنت وحدك، لذا أكتب إليك بمداد قلبي قبل قلمي لأشد علي يديك، وأحيي ثباتك وفهمك، فما ضرك لو فارقك الجميع وبقيت وحدك، تنصر المبدأ، وتدافع عن الأصول، تعتز بالثوابت لم تبدل ولو بدلت الأرض كلها، ما يضيرك سيدي لو ذهب الناس وبقيت أنت، ترفع الراية، وتجدد البيعة، وتقف خلف المنهج ولو كنت وحدك، مطمئن الفؤاد، رابط الجأش، ثابت العزم، مستبشراً بالوعد، ممتلأ باليقين، لا يعرف اليأس طريق دربك، ولم تنل الخطوب من حثيث سعيك، حركاتك وسكناتك لله، فالنصر والهزيمة في القلب يستويان كما يستوي في جنب الله السراء والضراء، لأنك تدرك جيداً إن الهزيمة قد تكسر أفئدة الذين يعبدون الله على حرف، أما الذين فنوا في الله وباعوا نفوسهم وأموالهم له، فإن عبوديتهم تتألق في السراء والضراء، وهم يسلمون لله ما أراد ويخضعون لحكمته، وذاك سر الكلمة الرقيقة الغالية التي قالها الرسول لصحبه بعد هزيمة احد: "استووا حتى أثني على ربي". فأنت الجماعة ولو كنت وحدك.
 

اعلم يا أخي وفقني الله واياك أن ما تراه اليوم من خروج عن الثوابت والأصول، ومفارقة للجماعة والشورى، ليس بجديد على دعوتك بل هو قديم قِدم الدعوة، لا بل هناك ما هو أشد وأعتى ، اغتيل الإمام المؤسس وحدثت أزمة كبيرة بين أعضاء الهيئة التأسيسية نتج عنها شقاق بسبب اختيار المرشد الذي سيخلف الإمام الشهيد، حتى انتهى الأمر باختيار المستشار حسن الهضيبي، ولكن ثمة أعضاء لم يعترفوا بالهضيبي مرشدًا ليس هذا فحسب بل ذهب عدد من التنظيم الخاص بالجماعة بقيادة الأستاذ صالح عشماوي والأستاذ أحمد جلال عبدالعزيز والأستاذ محمد غزالي وهم من كبار أعضاء الهيئة التأسيسية إلي بيت المرشد العام بالسلاح في منتصف الليل لإرغامه على الاستقالة بعد محاصرة المركز العام واقتحامه بالسلاح، وكان ما كان من أمر الأستاذ صالح حتى ختم حياته على باب المركز العام للإخوان، يستقبل الضيوف، يرتب لهم المجلس، ويحضر لهم الشاي، فلما سئل عن ذلك قال هذه توبتي أن اكون خادم للإخوان.

ألا أخبرك يا أخي بأشد من ذلك، وهو خبر الأستاذ عبدالرحمن السندي، صاحب التنظيم الخاص، وأحد قادة الجماعة ومستودع اسرارها، وأحد رجالات المقاومة الباسلة ضد الانكليز، كان منه ما كان أيام الإمام البنا ومقتل النقراشي دون إذن وعلم الجماعة، فلما اغتيل الإمام وأعفاه الأستاذ الهضيبي من منصبه، وتعين المهندس سيد فايز، فلم يقبل وقال كلمته المشهورة أنه "بنى هذه الجماعة مع الشيخ حسن البنا وسيهدمها طوبة طوبة كما بناها"، ليس هذا فحسب بل وصل الأمر أنه طلب فتوى من الشيخ سيد سابق باغتيال الأستاذ الهضيبي المرشد العام ولكن الشيخ سيد لم يُفتيه ، وأنتهى الأمر بتوبة الرجل، وبقاء الجماعة ومرشدها وإمضاء قرارات هيئتها التأسيسية، ومات السندي في بيته وهو يقرأ القرآن، هكذا بهدوء شديد، بعد زوبعات ظن المرجفون أنها قادرة على استئصال الجماعة وضياع هيبتها.

هل عدم نزول الجماعة عند رأي البعض، ولو كان صحيحًا، يكون مدعاةً لتسفيه مَنْ رأي بخلاف ما رأوا وتشويههم؟! إنَّ ذلك بلا شك انقلابٌ على المبادئ وخرقٌ لقواعد الاختيار التي تعارف عليها الإخوان من خلال نُظُمهم الداخلية ولوائحهم التنظيمية!

مرت الجماعة أيها الثابت المجاهد بما لا يتخيله عقل من مؤامرات وصراعات وفتن، ذهب أصحابها إلى ربهم، وبقيت المواقف حاضرة وأصحابها غائبون، فلا يغرنك ضجيج القوم فما هو إلا غثاء كغثاء السيل سرعان ما يذهب جفاء كالزبد ولا يمكث في الدعوة إلا ما ينفع الناس، فكن مما ينفع وكن الجماعة ولو كنت وحدك.

وما أصدق الدكتور عطيه الويشى حين قال:
"أما من يطعن في القيادة الحالية حتى وصل الأمر إلى أن يتهمهم البعض بالتجاوزات المالية وإعطاء الدنية ومهادنة الحاكم نسوا أو تناسوا أن هذه القيادات هم أنفسهم الذين أعطوا مَنْ يتهمونهم ما هو أغلى من المال وأنفس مِنْ أيِّ مَغْنَمٍ دنيويٍّ: أعطوهم أعمارهم الطويلة التي ضحوا بها جهادًا وابتلاءً بصنوف المحن فداءً للدعوة وأبنائها.. بذلوا أعمارهم من أجل تربية إخوانهم وتعويدهم على خصال الخير والبِرِّ والاستقامة، وَجَبْرِ ما قصَّرَت عنه البيوت من جوانب تربوية لتتكامل شخصية الفرد في الإخوان كي يضحى بين الناس رمزًا وَعَلَمًا.. وحتى يصير قامةً تقف في الأخير مُسَعِّرةً خَدَّها بالمساءة، للأحياء والأموات، والعقوق والتخوين والتعريض بالحرمات والسخرية المهينة في حق مَنْ بذلوا حياتهم من أجل هؤلاء رخيصة بغير مَنٍّ ولا أذى!!
 

فهل مُجَرَّدُ مخالفة القيادة، محسنةً كانت أم مسيئةً، يُعَدُّ مُسَوِّغًا للنيل منها أو الخروج عليها.. وهل لمجرد أنَّنا لا نريد مخالفينا ولا تروقنا رؤيتهم مبرِّرًا للانقلاب المبادئ وإثارة التوتّر والاضطراب والفوضى.. وهل عدم نزول الجماعة عند رأي البعض، ولو كان صحيحًا، يكون مدعاةً لتسفيه مَنْ رأي بخلاف ما رأوا وتشويههم؟! إنَّ ذلك بلا شك انقلابٌ على المبادئ وخرقٌ لقواعد الاختيار التي تعارف عليها الإخوان من خلال نُظُمهم الداخلية ولوائحهم التنظيمية!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.