شعار قسم مدونات

في الحكاية.. يحدُث أنك العابر وتأخرت

blogs - ناس في الشارع
بارِد الإسْفلت ونوره خافِت، يعرفك غريباً وإن حاولت الانصهار فيه أو الاختفاء في سواده، يحدُث أن تكسر خاطر نومك وأنت ترقب فجره يزور بسمات النوافذ، قد تطمئن حينا وتجول بين الوجوه، وحينا يحكى أن يلازمك لونه القاتم في طريقك بحثا عن البياض، وربما بحثا عن المفقود بين أفكار الأرق ليلاَ وهرولة الصبحيات، يحكى أن تعود بما تبقى من قِواك، وتجدهُ سواداً ينتظر بالبيت هناك، تزعجه بمصابيحك، تستلقي مغمض العينين مسرفا في الدقائق بين سواد الجفون.

يحكى أن تنزوي في الظلمة ويجلب سوادها الراحة والسكون، يُحكى أن شرفات سهرياتك يعاشرها سواد الفناجين، وتحلو لك حروف المجانين، تخُط وبين السطور تنِط وأنت ما زلت تعشق ملازمة سواد حبرك وسلاسة الخط، يحكى أن لك سواداَ يمنع الأمنيات، ويكتب لك بقعا رمادية تخبرك بسواد العمق، وخشية السقوط وعزوف الخُطى، ويحكى أن الخوف نال، وقلب وَدَّع الشجاعة وقال: ما المصير؟ وكم بقِي من عُسر عَسير؟
 

ذاك موطني، في جولاتك له لست مضطرا لحساب الدخل الفردي ولا الخام، ولا حتى إتعاب العقل في معادلات رياضية لتعرف من يقبع فوق ومن تحت.. أو من بالكاد يتنفس بين الصفيح والتراب بل بين الصخر والسراب، أو القِلة التي تحتمي بالجدران فيما قيل عنها أوطان.

تكتوي تنطوي بحالك، ويحدث أن تكون لك قدرة على كتابة تلك الأيام وتجعلها تحت نقر الأقلام، يحدث أن تبدأ ثواني يومك فجرا لطيفا بقطرات نداه يعانق روحك الدافئة المتأهبة للنسيان.

فمن البؤس لك أن ترقب مشاهدا بالأطنان، بين من ينقل أكياس الملح على ظهر مراكب الصيد والكاد تلتمس عيناه قطر نصف متر من عالمه المر المرير، بين قصيبات سيقان كشفت عن عظيماتها المقوسة وما زالت تقاوم دروس القوت وتنتظر راحة أبدية، لكنها صامدة للمزيد من السراب الساخن في عز الصيفية، بين رؤوس تتعقب فتراصت على كراسي مقاهي الشاي، مطلة كالغربان التي لا صنيع لها، فتكتفي بالتحديق فيك والعيش على جروح مثيلاتها.. فتنبثق التناهيد منك، تتمتم "عابرون يا موطني وتأخرنا.."

يحدث أنك تحاول الخروج من إطار ذاك المشهد حتى لا تزعج الذهن الذي صار يسأل ولا يمل، وأنت تتسلل إلى مكان شاطئي يبعث الارتياح، قد تلقي بك أقدامك بين ضجيج نسوة بائعات تؤثث جنبات الشوارع المكتظة بسيارات الصفير والزمير، ورؤوس أخرى تضيف جلبتها حضورا مزيفا تتراقص تارة بين لعب أدوار الرأسمالية والبروليتارية حسب مزاج أسعار السوق، فقُل "عابرون يا موطني وتأخرنا". فما إن تهدأ هذه التراجيديا من محادثة حواسك حتى تستشعر أن موجة بشرية خلفك، فتتخذ مكانا فترى الكل يركض في اتجاه واحد هروبا من "هراوات" قِيل عنها تحمي المكان، بعد أن اشترت ذات أيادي العصّي ما اشتهت.. ستتمتم بلا شك "عابرون يا موطني وتأخرنا..".

تصادق سواحل الأمنيات حسبت لها المسافات ووضعت كل شيء أمامك، غير أنها كثيرا ما تجعلك تتعجب لحالك وأنت تعبرها تخمينات تتحمّلها، تستمتع بالنسيم الجارف المنجرف عبر عرق ينساب من حواشي شعرك الأشعث، يلتقي مالِحا باردا تحت ذقنك الأسمر بسحنة متوهجة بشمس الكون، يعبرك وتتوقف للحظات تحدق بها جيدا في أفق صاف بصمت المكان، ينتابك اليأس أحيانا وتخبرك أذناك أن الطريق ما زال طويلا، لكنك سرعان ما ترمي النظرات مجددا إليه وتحمل غيضك، وتحبس الدمع الذي يهمس لك بأن كفاك تحدي يا صاح، تتأمل الحلم فتجده أكبر انتصار مما ظننت وأنت الأمل لنفسك، حينها فقط يمكنك أن تجمع بعضك و تتابع المسير.

تغدو عليماً أنك قد تصل أو ربما أنت الفُتات الضائع بين رياح الشرق العنيفة ومغربِك الصقِيعي، يحدث أن تنسى ويحدث أنك درس للعاشقين الحالمين في حكاية.. فهل يحدث ويحدث؟ أو ربما قد تنتظر ولا يحدث!

تكتوي تنطوي بحالك، ويحدث أن تكون لك قدرة على كتابة تلك الأيام وتجعلها تحت نقر الأقلام، يحدث أن تبدأ ثواني يومك فجرا لطيفا بقطرات نداه يعانق روحك الدافئة المتأهبة للنسيان، فيحدث أن يغتسل وجهك بالحلم كل صبحية، وتُمعن عيناك نظرا في قناع شخصك الممل بين مرايا الحاضر والماضي، ومحيا ظِل قد اضمحل انتظارا على قارعة الهوى بحلوه المرير، وانتظار الحبيب وشوق الأحبة، يطول ويطول ومع كل نتف الفرح هناك ألم يزول، يغادرك ويأتي آخر ليخبر أنك الملعون والاستثناء على قيد حياتك، يحدُث ويحدُث أن تحارب يأساَ بأمل، وكراهية بنفسك السّموحة، يحدث أن تجعل من صحراء ضحكاتك شيئا تافها يستحق زرعه مسرات بين اليابس من ساعاتك القاتلة.

يحدث الكثير وما زلت ترسم وتخُط الكثرة والوفرة وترجو القدرة في نفسك العنيدة. فالحلم مكتوب منذ زمن وتدري أن له الثمن من سراب خادع، ووُريقاتك جفت حتى صِرت أنت الرث المتلاشي الذي تداس من النظرات ولا تصفه العبارات لبشاعة حالك من رتابة أحوالك، لكنك ما زلت تكتب وتبوح لأيامك بعشق جديد ورحيل جديد والقادم يضمد خدوش الذي مضَى، ويحدث أنك المتيقن اليقين الأكيد، أن الأقلام النادرة قد لا تترجِم الأحلام، لكنك ما زلت عنيداَ وتقف على هضبة الطموح تصارع رياحه الساخنة التي أتت على أجزائك.

وتغدو عليماً أنك قد تصل أو ربما أنت الفُتات الضائع بين رياح الشرق العنيفة ومغربِك الصقِيعي، يحدث أن تنسى ويحدث أنك درس للعاشقين الحالمين في حكاية.. فهل يحدث ويحدث؟ أو ربما قد تنتظر ولا يحدث!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.