شعار قسم مدونات

إرهابهم وإرهابنا

blogs - إرهابي
ينطلق إرهاب الدول من منطلقات قومية أو استعمارية أو تاريخية، وبسببه تنشأ مقاومة الأفراد لهذا الإرهاب فتكون بذلك مجرد رد فعل. حيث لا يكون إرهاب الأفراد ناشئاً عن رغبة تدميرية بلا مبرر ولا ينتمي الإرهابي لجماعته دون سبب، كما لا يساهم في نشوء جماعته دون وعي، أو بلا هدف يريد من خلالها الوصول إليه، فهذه الرغبة الفردية، نشأت بمسوغ ديني وجد له ما يبرره كخطاب متطرف للترويج لأيديولوجيته: "إن عالماً لا سبيل فيه لدى الناس إلى العدالة هو عالمٌ سيستمر السخط فيه في الاشتداد والسوء"، (نورينا هيرتس، السيطرة الصامتة ص242)، هذا ما تقرره هيرتس في كتابها عن موت الديمقراطية، وتسبق ذلك بتعليل يوضح أثر الولايات المتحدة في الفترة الراهنة الموسومة بالإرهاب: "إن بوش لم يقف عند حد التهديد بإزالة جميع المكاسب التقدمية الكبرى، بل إنه مضى أبعد من ذلك مهدداً بتقويض التعاون في العالم مع نفوره التام من الأخذ بسياسة تعدد الأطراف" (نورينا هيرتس، السيطرة الصامتة ص239).
 
كما أن هذه المجموعات المتطرفة لم تنشأ إلا بتخطيط ودعم أمريكي في ثمانينيات القرن الماضي: "هذه المجموعات نُظّمت بواسطة المخابرات المركزية والمخابرات الباكستانية والمصرية وحلفاء آخرين للولايات المتحدة. وهم منظّمون ومجتهدون ومدربون ومسلحون لخوض معارك مقدسة ضد الروس" (نعوم تشومسكي، أحاديث وحوارات قبل وبعد 11 أيلول ص57). ومن هنا يتضح أن "الإرهاب" سلوك، وإن كان ليس حديثاً، إلا أنه أخذ شكلاً منظّماً في العصر الحديث، كما أنه يقوم على الفعل ورد الفعل ضمن دائرة يصعب فهمها، لكن من الواضح أن العالم كله يدرك من يقف وراء هذا الإرهاب المنظّم، يقول هارولد بنتر المسرحي الإنجليزي الفائز بجائزة نوبل 2005م: "الجرائم التي ترتكبها الولايات المتحدة في شتى أنحاء العالم جرائم منظمة ومتواصلة ومحددة الأهداف وقاسية وموثقة بالكامل، لكن ما من أحد يتحدث في شأنها" (هارولد بنتر، صحيفة الحياة، العدد 16703).

أبرز ما يوضح مأزق تعريف الإرهاب هو ما دار في العالم، ولاسيما بعد 11 سبتمبر، من أهمية إيجاد تعريف متوافق عليه للإرهاب، حيث إن فوضى تعريفات الإرهاب جعلت الكل يستخدم تعريفاً يناسب توجهاته وأهدافه.

إن تعريف الإرهاب يكشف عن متلازمة المقاومة، فهو فعل يبرره من يقترفونه بأنه فعل مقاومة ضد عسف الدول العظمى والقوى الاستعمارية، فـ "إرهاب: رعبٌ تحدثه أعمال عنف كالقتل أو إلقاء المتفجرات أو التخريب" (جبران مسعود، معجم الرائد، ص59)، بينما الإرهابي هو: "من يلجأ إلى الإرهاب بالقتل أو إلقاء المتفجرات أو التخريب لإقامة سلطة أو تقويض أخرى" (جبران مسعود، معجم الرائد، ص59)، أما الحكم الإرهابي فإنه: "نوعٌ من الحكم الاستبدادي يقوم على سياسة الشعب بالشدة والعنف بغية القضاء على النزعات أو الحركات التحررية أو الاستقلالية" (جبران مسعود، معجم الرائد، ص59). هذه التعريفات لمصطلح إرهاب وبعض ما يتعلق به من مصطلحات كما ترد في المعاجم.

أما خارج المعاجم فإن كثيرين حاولوا تعريف الإرهاب، كتعريف تشومسكي للإرهاب بأنه: "استعمال مدروس للعنف ضد المدنيين لإجبار وترهيب السكان المدنيين أو الحكومات من خلال زرع الرعب" (نعوم تشومسكي، أحاديث وحوارات قبل وبعد 11 أيلول ص48)، أو تعريف إقبال أحمد الذي يعرف الإرهاب بأنه: "استخدام أساليب إرهابية للحكم أو لمقاومة الحكم" (إقبال أحمد، مجلة الآداب، بيروت، نص محاضرة له عام 1998م بعنوان "إرهابهم وإرهابنا"، عدد سبتمبر 2001م). ثم يوضح الأساليب الإرهابية التي لا تخرج عن تلك الواردة في التعريفات السابقة.

إن جميع التعريفات السابقة تنصب على أثر الفعل الإرهابي ونتائجه ولا توضح ماهية الإرهاب كسلوك، ويعود ذلك لسببين: الأول، إن التوصيف الدقيق للإرهاب لا بد أن يتحدث عن شكل ودوافع كل عمل إرهابي على حدة، وبمعزل عن بقية العمليات الإرهابية الأخرى، والثاني أن فعل الإرهاب حين يتعلق بالفرد فإنه يكون سلوكاً ذا دافع عاطفي يصعب الإحاطة بتعريفه ومعرفة حدوده، لأن كل ما يصدر عن عاطفة يكون تعريفه متعلقا بتوصيف أثره وليس بحقيقته هو ذاته.

ولعل أبرز ما يوضح مأزق تعريف الإرهاب هو ما دار في العالم، ولاسيما بعد 11 سبتمبر 2001م، من أهمية إيجاد تعريف متوافق عليه للإرهاب، حيث إن فوضى تعريفات الإرهاب جعلت الكل يستخدم تعريفاً يناسب توجهاته وأهدافه، ولعل أبرز ما يدلل على هذا المأزق مطالبة الرئيس التركي أردوجان للرئيس الأمريكي باراك أوباما بـ: "إعادة تعريف الإرهاب بصورة خاصة في منطقة الشرق الأوسط" (جريدة الحياة، العدد 16737)، وهي مطالبة تنم عن وعيه بتعدد التعريفات لهذا المصطلح بتعدد دوافع الإرهاب: "إن إعادة تعريف الإرهاب يمكن أن تتم على أساس الفرد، أو على أساس المؤسسة، أو على أساس الدولة، وإنما المهم إعادة التعريف على جميع الأصعدة" (جريدة الحياة، العدد 16737).

يبدو أن البعض في الغرب يحاول أن يختزل الإسلام ليصبح عنواناً واحداً هو الإرهاب، ويختزل كل رموزه ليصبح رمزاً واحداً هو ابن لادن، وبذا تُكال التُهم جزافاً، ويصبح المسلمون جميعاً متهمين.

ولعل في أنواع الإرهاب التي عددها إقبال أحمد في محاضرته "إرهابهم وإرهابنا" ما يوضح صعوبة تعريف الإرهاب، فهو يشير إلى أن أنواع الإرهاب تتعدد من إرهاب الدولة إلى الإرهاب الديني إلى إرهاب الجريمة كالمافيا، مروراً بإرهاب مرضي دافعه حب الظهور، وصولاً إلى الإرهاب الذي تمارسه الحركات المعارضة. إلا أنه يشير إلى أن هناك شكلاً "عاماً" للإرهاب ينتج بسبب الاستعمار أو الجوع أو الخوف أو صراع الثروات أو بسبب غياب الديمقراطية (إقبال أحمد، مجلة الآداب، بيروت، نص محاضرة له عام 1998م بعنوان "إرهابهم وإرهابنا"، عدد سبتمبر 2001م).

بقي أن أشير إلى أن كون من ينتمون للجماعات الإرهابية يرون في إرهاب الدول وفي الاستعمار مبرراً للفعل الإرهابي لا يمنع من أن ردة فعلهم هي فعل إرهابي لا يمكن تبريره، كما أن ما حدث من الجماعات المتطرفة، حتى وإن كان مجرد رد فعل، أساء كثيراً إلى العالمَين العربي والإسلامي: "يبدو أن البعض في الغرب يحاول أن يختزل الإسلام ليصبح عنواناً واحداً هو الإرهاب، ويختزل كل رموزه ليصبح رمزاً واحداً هو ابن لادن، وبذا تُكال التُهم جزافاً، ويصبح المسلمون جميعاً متهمين" (محمد الرميحي: مجلة العربي، الكويت، مقال: "إرهابيون عبر التاريخ"، العدد 480).

إن الإرهاب دائرة يصعب معرفة من أين بدأت؟ أو الاهتداء لطرفها، وهذه الدائرة لا تبرر للأفراد، ولا حتى للدول، الاستمرار داخلها بهدف القضاء على الإرهاب، فمن الواضح أن كل محاولة جديدة بذات الأسلوب المنظّم ما هي إلا إرهاب جديد سيكون مسؤولاً عن ولادة جديدة لإرهاب جديد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.