شعار قسم مدونات

أمريكا وإيران أعداء من ورق.. حلفاء على الأرض

blogs علم أمريكا وإيران

منذ ما يزيد عن الثلاثين سنة ومنذ قيام الثورة الإيرانية في عام 1979 وتشكل الجمهورية الإيرانية الحديثة ونحن نسمع عن فرض عقوبات تجارية من قبل أمريكا على الحكومة الإيرانية وتجميد للأرصدة وتعليق لصفقات التسليح المبرمة مع الدولة الإيرانية وتجميد لأي صفقات تسليح مستقبلية وفرض قيود على واردات النفط الإيرانية فيما بعد.

ومنذ وصول الخميني أول مرشد أعلى للثورة الإيرانية لسدة الحكم ونحن لا نسمع باسم أمريكا في إيران إلا ويعقبه لقب الشيطان الأعظم حسب خطابات الحكومة الإيرانية وفي أمريكا لم يكن الخطاب بأفضل من حال الخطاب الإيراني فأصبح لدينا شعور أن هذا الخطاب العدائي لن يعقبه إلا قيام حرب بين هاتين الدولتين في ظل استمرار تصاعد حدة الخطاب العدائي بينهما وتبين للجميع أن أكثر خطابات الكراهية حدة الموجهة لأمريكا صادرة من قبل الدولة الإيرانية ودولة كوريا الشمالية في الزمن المعاصر.

وفي ظل تواتر الأعوام أصبحنا نعتقد أن الدبلوماسية الإيرانية والتواجد العسكري الإيراني سيبقى حبيس حدود الدولة الإيرانية بعد تشكل الصورة العدائية للدولة الإيرانية لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة وبعد تغذية عقول الأجيال الصاعدة في المجتمع الإيراني بأن أمريكا هي التهديد الأكبر لوجود الدولة الإيرانية بحسب خطاب المؤسسات الرسمية في إيران وأصبحنا نرى أن التواصل الدبلوماسي الرفيع مع الدولة الإيرانية هو بمثابة الانتحار من الناحية الدبلوماسية على الساحة الدولية بعد تصدير الصورة العدائية لإيران لجميع دول العالم وشعوبها من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة وقس على ذلك إمكانية التحالف العسكري.
 

لنا في اليمن مثال على السكوت الأمريكي لتوسع نفوذ إيران في المنطقة بدعم مليشيات الحوثي وهكذا نرد على من يقول أن حليف إيران الروسي هو من يقف وراء سكوت أمريكا عنهم في سوريا

وفي عام 1982 وبتأسيس حزب الله في لبنان وظهوره بصورة المقاوم الإسلامي للاحتلال الإسرائيلي في المنطقة العربية وعدم إخفاءه لولائه للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية الخميني في كثير من البيانات الصادرة عن الحزب، ومع استمرار الحزب في النمو على الساحة اللبنانية وعلى مرئ من إسرائيل وحليفتها أمريكا أصبحنا نعتقد أن إيران قوى لا يستهان بها في المنطقة العربية لأننا كنا نعتقد أن هذه فرصة أمريكا لقطع أيادي إيران العسكرية في المنطقة العربية ولكن لم يحدث شيء من هذا القبيل وتولد لدى كثير من الشعوب العربية شعور بأن الخميني هو فعلا مفجر الثورة الإسلامية في إيران وسيسعى لتصديرها للمنطقة العربية.

 

ولكن نشوب حرب الخليج الأولى بين الدولة الإيرانية والدولة العراقية بقيادة الرئيس الراحل صدام حسين في عام 1980-1988 منع تشكل هذه الصورة لدى الشعوب العربية ليس فقط لأن طرف الصراع مع الدولة الإيرانية هو دولة عربية فإيران هي دولة مسلمة أيضا ولكن بسبب الكاريزما التي كانت لدى صدام حسين والمرسومة في عيون الشعوب العربية فهو أيضا ظهر بصورة القيادي الثوري الذي يسعى للدفاع عن القومية العربية والشعوب الإسلامية في المنطقة العربية وخاصة على صعيد القضية الفلسطينية وبعد استهدافه إسرائيل بصواريخ سكود ولكن الغريب في الأمر أن جيش صدام حسين استطاع أن يجاري القوات الإيرانية لمدة ثماني سنوات كاملة تحمل بها الطرفان خسائر لا يستهان بها.

 

ونشبت هذه الحرب بمبادرة من الرئيس الراحل صدام حسين مع العلم أن الغزو الأمريكي للعراق واجتياح القوات الأمريكية للعاصمة بغداد لم يستغرق أكثر من ثلاثة أشهر فكيف صمدت قوات صدام في وجه إيران لثمانية أعوام بينما أمريكا لم تقم بإطلاق ولو طلقة واحدة باتجاه إيران، فأمريكا اجتاحت العراق وراح ضحية هذا الاجتياح مئات الآلاف من المدنيين بحجج واهية عن وجود أسلحة دمار شامل لدى العراق، وعلى الضفة الأخرى حيث إيران فإيران لم تخاف من قول أنها ترغب في أن تكون دولة نووية فرأينا أمريكا تتبع أكثر الطرق الدبلوماسية مع إيران لإقناعها بالعدول عن طموحاتها النووية فكان صبرا استراتيجيا لم نرى له مثيل.

بخصوص برنامج إيران النووي وإبرامها الاتفاق النووي في عام 2015 مع مجموعة القوى العظمى أو ما عرف بمجوعة خمسة زائد واحد فأمريكا ضربت لنا أسمى الطرق الدبلوماسية في تعاملها مع إيران فكان صبرها الاستراتيجي ليس له مثيل

و فيما يخص سقوط نظام صدام حسين في عام 2003 واجتياح القوات الأمريكية لبغداد فهنا كانت بداية ظهور الأمور على حقيقتها فيما يخص العلاقات الأمريكية الإيرانية فظهر لنا أنهم أعداء من ورق حلفاء على الأرض، فكانت القوات الأمريكية الغازية للعراق أشبه بحصان طروادة الذي يحمل بداخله القوات الإيرانية لتبسط سيطرتها على العراق إلى يومنا هذا، فكيف لأمريكا التي حملت قواتها من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق لتخوض حربها على العراق أن تسلم العراق لعدوها الأول في المنطقة ألا وهو إيران فأصبح الإيرانيون هم المسيطرون على مؤسسات الدولة العراقية بجميع أركانها وها هم اليوم ينشئون لأنفسهم مليشيات إيرانية مسلحة عل الأرض العراقية بقيادة قاسم سليمان وأيضا كان لحزب الله نصيب من هذه الفوضى على الأرض العراقية فشكل لنفسه فرعا هناك وها هي المليشيات الإيرانية تقاتل على الأرض العراقية بحجة محاربة داعش وتحت غطاء جوي من قبل التحالف الدولي بقيادة أمريكا وأكثر من ذلك فساحة الحرب البرية في العراق اتسعت للقوات الأمريكية البرية وقوات الحرس الثوري الإيراني!

ولنا أيضا في اليمن مثال آخر على السكوت الأمريكي لتوسع نفوذ إيران في المنطقة بدعم مليشيات الحوثي وهكذا نرد على من يقول أن حليف إيران الروسي هو من يقف وراء سكوت أمريكا عنهم في سوريا.

وفيما يخص برنامج إيران النووي وإبرامها الاتفاق النووي في عام 2015 مع مجموعة القوى العظمى أو ما عرف بمجوعة خمسة زائد واحد فأمريكا ضربت لنا أسمى الطرق الدبلوماسية وأروعها في تعاملها مع إيران فكان صبرها الاستراتيجي ليس له مثيل على خلاف تصرفها مع نظام الرئيس الراحل صدام حسين، والمضحك في الطريقة التي يسوق لها الإيرانيين للاتفاق النووي وخاصة مجلس المرشد الأعلى للثورة الإيرانية أن هذا الاتفاق هو بمثابة انتصار على القوى الغربية العظمى، ويقوم الإيرانيين بإطلاق التهديدات والوعيد لأمريكا بنقض الاتفاق وكأن هذا الاتفاق بمثابة ورقة ضغط على أمريكا بيد إيران.

في النهاية على أرض الواقع لم نلمس أي ثمرة من ثمار العداء بين هاتين الدولتين على أرض الواقع بل ها هو الحرس الثوري الإيراني يشق طريقه في مشروع الهلال الشيعي من دون أن يعترضه أحد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.