شعار قسم مدونات

كيف نتعلم فن الصبر؟ (2)

blogs الحرية

من السهل تقبل الأمور حينما تكون كلها على ما يرام، ولكن عندما نتحلى بالصبر في المواقف التي لا تسير فيها الأمور بالطريقة التي نريدها دوما، هنا أثبتنا أن للصبر قوة. خذ من وقتك دقيقة وأسأل فيها نفسك. ما الذي ساعدك على أن تتحلى بالصبر؟ وما الذي استنتجته؟ عندما تعتني بأبيك المسن أو أمك المريضة التي هي بحاجة ماسةٍ لك هنا تُثبت صبرك بوضوح وتحتمل مواقف ما كنت تفضلها من خلال تقبلِ الاخرين على ما هم عليه، وتقبل الحياة كما هي .

ونظرا للأهمية والقيمة الكبيرة للصبر، نجد أن "الصبور" هو اسم من أسماء الله الحسنى، وخير مثال عن الصبر، نبي الله أيوب عليه السلام. كثرت البلايا والأمراض على نبي الله أيوب طيلة ثماني عشرة سنة، وهو صابرٌ محتسبٌ يرجو الثواب من الله تعالى، فدعا الله وابتهل إليه بخشوع وتضرع قائلًا: "انِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين"، فأذهب الله عنه ما كان يجده من المرض وتعافى.

فالصبر عبادة يكافأ عليها من التزم وتحلّى بها بالسداد والتوفيق في حياته، الصبر مهم لمن يصبو للنجاح والتميز فعليه بالصبر ومواصلة دربه فالقمة تستحق منّا كل تعب وسهر، وكما يقال "لكل نهاية مشرقة بداية محرقة". رمضان هو شهر الصوم وشهر الصبر، ففي هذا الشهر يعيش المسلم وقد منع نفسه عن كل شهوة مباحة وغير مباحة، يعيش فترة يقول لنفسه لا يا نفس لن تأكلي لن تشربي ولن أعصي خالقي لمرضاتك. كلنا نعلم أن توماس اديسون هو مخترع المصباح الكهربائي لكن لا نعلم الحقيقة وراء اختراعه وسر نجاحاته رغم اخفاقاته المتتالية.. مرضت والدته فقرر الطبيب إجراء عملية جراحية لها لكن المشكلة أن الوقت كان ليلاً ولا يوجد ضوء كافٍ يحتاجه الطبيب في هذه العملية الدقيقة، الأمرُ الذي دفعه للانتظار حتى شروق الشمس لكي يجري العملية..
 

لا أحد يرغب في أن يعاني من محن جسدية، لكن عندما تأتينا هذه المحن بالفعل نكون أمام خياران اثنان: إما أن نشكو ونستسلم لما يحدث لنا، وإما أن نلجأ إلى الصبر لتخطي محنتنا ونواجه صعوبة الحياة

ومن هنا بدأت قصة اختراع إديسون للمصباح الكهربائي، فأخذ إديسون يستمر في محاولاته وإصراره على اختراع المصباح الكهربي لدرجة أنه خاض أكثر من 99 تجربة فاشلة وفي كل مرة عندما تفشل تجربة كان يقول "هذا عظيم .. لقد أثبتنا أن هذه أيضاً وسيلة غير ناجحة للوصول للاختراع الذي أحلم به". إن وجود بعض النباتات والزهور في شرفة المنزل أمرٌ جميل فإنْ أُحسن عنايتها بصبرٍ توفر لنا أجمل منظر يبعث الراحة في النفس.. وإن سألت أي بستاني سيخبرك أن دورات الطبيعة تتطلب الكثير من الصبر. فلا يمكنك أن تغرس نبتة صغيرة وتتوقع منها أن تزهر في اليوم التالي، يلزمها بعض الوقت للنمو. وكذلك نحن. عندما نتحلى بالصبر، نعيش حياتنا في تناغم وانسجام، ونتوقف عن الضغط على حياتنا لتصبح مختلفة عما هي عليه.

حتى حين سألتني صديقة لي عن فشلها في إيجاد وظيفة تناسب مُستواها الجامعي، أخبرتها أن الأشياء الجميلة في الحياة تتطلب منّا الصبر فقط حافظي على إيجابياتك وتفاؤلك خلال رحلة البحث عن وظيفة مناسبة وإلا فإنك ستصادفين خيبة الأمل، وربما اليأس. وقد قال مارك توين ذات مرة: "أسوء المُشكلات التي صادفتها في حياتي هي تلك التي لم تحدث لي أبداً". وقد قضيت أوقاتاً طويلة في القلق على أشياء لم تحدُث أبداً، لأنني في نفسي لم أكن قادرة على أن أننتظر بهدوء، ولكن في كل مرة أشعر براحة كبيرة لأنني كلما تحليت بصبر أكثر، شعرت بهدوء أكثر، وأنني كلما شعرت بهدوء أكثر، أصبحت أكثر قدرة على استيعاب حياتي حتى لا أقع في دوامة لا داعي لها من القلق والتوتر.

تعرض والدي إلى حادث سير حيث أُصيب بطلقات رصاص على مستوى الرأس في سنوات التسعينات، كنتُ حينها طفلة في الثالثة من عمري. أُدخِلَ إلى حالة غيبوبة لمدة شهر ونصف تقريبا، كانت فترة جد صعبة عانت منها الجزائر ويلات الإرهاب، كما كانت أوقات جد صعبة عاشتها أمي. الأطباء كانوا يخبرون عائلتي أن حالته حرجة وأنه في أي لحظة يمكن أن يفقد حياته، لكن أمي قاومت وأثبت عن جدارة قوة صبرها حتى وهي لم ترى والدي إلا من خلال النافذة خارج الغرفة التي كان ينام فيها طوال غيبوبته..، وبفضل معجزة من الله أن تحسنت حالته بعد أن فقد الجميع صبره إلاّ أمي كانت على يقين بأنه سيُشفى تماما ولو تطلب الأمر شهوراً عدة، أما أنا فكلما سألوني أين والدك أُجيبهم أنه سافر إلى مكان بعيد كالعادة ليُحضر لي الحلوى لأنني كنت طفلة ولا أتذكر شيئا من تلك الحادثة. 
 

الصبر شيءٌ مهم في حياتنا.. قوة الصبر تكمنُ في ألا نستسلم لظروف الحياة الصعبة، فربما لحظة يأس تليها لحظة فرح

لا أحد يرغب في أن يعاني من محن جسدية، لكن عندما تأتينا هذه المحن بالفعل نكون أمام خياران اثنان: إما أن نشكو ونستسلم لما يحدث لنا، وإما أن نلجأ إلى الصبر لتخطي محنتنا ونواجه صعوبة الحياة. عندما يعاني الإنسان جُرعاتٍ من الألم، فإنه في الغالب ما يسأل نفسه الأسئلة الخاطئة، فيقول مثلا: لماذا أنا بالتحديد الذي يقع له ذلك؟ في هذا الموقف الأسئلة الصحيحة التي يجب أن يسألها لنفسه هي: ما الذي يمكن أن أتعلمه من هذا الأمر؟ ما الذي يمكن أن أفعل حياله؟ أو كيف أثبت صبري مع الوضع الذي أمُر به؟

عندما لا نتحلى بالصبر يبدو من السهل للغاية أن يضيق العالم بنا لا يعدو أكثر من حلقة ندور فيها ونقنع أنفسنا بأشياء مثل: حالتي هذه لن تتغير وسأستمر عالقا في هذه الوظيفة إلى الأبد، سوف أظل وحيداً إلى الأبد.. لذا فالصبر شيءٌ مهم في حياتنا.. قوة الصبر تكمنُ في ألا نستسلم لظروف الحياة الصعبة، فربما لحظة يأس تليها لحظة فرح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.