شعار قسم مدونات

غش الطلاب والكفاءة الاقتصادية للدولة

blogs - graduate
تعد ظاهرة الغش واحدة من أكثر الآفات التي تفتك بالأمم والحضارات، إذ أن تبعاتها لا تقتصر على مجال دون آخر، بل تتعدى كل المجالات وتتخطى كل الحدود وتطال كل جوانب الحياة الدينية، الأخلاقية، التربوية، الاقتصادية والاجتماعية وإلى ما هو أبعد من ذلك.
 
وتزداد خطورة الغش بشكل أكبر عندما يتعلق الأمر بالتعليم الذي بات اليوم هو القوام الحقيقي للحياة ورأس المال الفعلي لاقتصاديات الدول. كما يمكننا وصف التعليم بأنه هو الجسر الذي يربط بين "الإرث المعرفي للبشر" المتمثل في المعارف والخبرات والمهارات وبين شتى المجالات الحيوية التي تعتبر أساس البناء المجتمعي.

ولذلك يعتبر التعليم مؤشراً يمكن من خلاله التنبؤ بمدى نجاح أو فشل الأمم على المدى البعيد، فعلى سبيل المثال يعتمد مؤشر التنافسية العالمية Competitiveness Index، على 12 معياراً يقيس فيها مدر قدرة الدول على المنافسة على المستوى البعيد. منها معيار يرتبط بشكل مباشر في التعليم. وبالتالي فإن الغش في المجال التعليمي خصوصا في المراحل الأولى منه يعتبر مدمرا للأجيال ومثبطا للهمم وقاتلا لروح الطموح خاصة لدى الشباب وموجها صريح لليأس في المجتمع.

إذا تم إبلاغك بأن الطبيب الذي ستذهب عنده لأمر طارئ كان نجاحه عن طريق الغش. هل ستقدم على زيارته؟ كذلك الحال يكون أعظم عندما يتعلق الأمر باشتهار دول بأكملها بالغش.

ولقد أوضحت الدراسات الأمريكية، مرارا، أن أكثر من نصف طلاب الجامعة مارسوا الغش في بعض صوره أثناء سنوات دراساتهم الجامعية، ولقد أشارت الدراسات البريطانية أن هذه النسبة لا تختلف كثيرا عن نسبة انتشار الغش في المملكة المتحدة. وعلى الرغم من أن مثل هذه النسبة تبدو مثيرة للدهشة، وربما تبدو مزعجة، فمن وجهة النظر السيكولوجية تكون الأسئلة الأكثر أهمية تلك التي تدور حول العوامل التي تؤثر على سلوك الغش وأسباب ممارسة بعض الطلاب للغش أكثر من غيرهم.

وتعتــبر الاختبارات إحدى وسائل تقويم الطلاب، والوقوف على مدى استفادتهم من العملية التعليميـة، وإن ممارسة الطالب والطالبات لسلوك الغش في الاختبارات، لا يعد مظهـرا مـن مظـاهر عـدم الشعور بالمسؤولية وحسب، بل إفساد لعملية القياس وتلويثا لنتائج الاختبار، وبالتالي عدم تحقيق أهـداف التقـويم في مجال التحصيل الدراسي. وقبل الحديث عن التأثير الاقتصادي لهذه الظاهرة لابد أن نتحدث عن ما هي الأسباب التي يدفع فيها الطالب إلى ممارسة الغش:

1. أن الطلاب الذين يغشون لديهم تبرير لحماية أنفسهم من اللوم الذاتي، ومن ثَمَّ حماتيها من الشعور بعدم الرضى.
2. أن الطلاب ذوي التحصيل الدراسي المنخفض يمارسون الغش أكثر من الطلاب ذوي تحصيل المرتفع.
3. أن الطلاب الغشاشين لديهم مستوى مرتفع من الخوف من الفشل.
4. أن الطلاب الغشاشين ليس لديهم اتساق في أفكارهم، فهم يمارسون عكس ما يعتقدون.
5. عندما تتصف بعض المناهج الدراسية بالصعوبة وعدم مراعاتها للمستوى العقلي للطلاب، واهتمامها بالكم وافتقارها أحيانا لعنصر التشويق، فإن ظاهرة الغش تتزايد بين الطلاب، وخصوصا عندما يتزايد اهتمام الطلاب بالدرجات. يتسبب الغش في المراحل الأساسية للتعليم بالتالي:

1. تدني الكفاءة الاقتصادية

عندما يكون نجاح الفرد ليس حقيقياً بل "بسبب الغش" هذا سيسبب له شعورا بالضعف من الداخل وستكون ثقته بقدراته ضعيفة" كيف لا ونجاحه حتى في المدرسة كان مزيفاً".

واحدة من أكثر آفات الغش التي يكون تأثيرها عاماً على كل المجتمع هي آفة ما أسميها "إخلال الميزان". منها إخلال ميزان التفاضل بين الطلاب في شتى المواد الدراسية. فنتائج الامتحانات تعتبر هي المعيار العالمي والمحلي في تحديد اتجاهات الطلاب وتقييم قدراتهم العلمية. ففي البلدان المتقدمة مثل الولايات المتحدة الامريكية يتم توجيه الطلاب في المرحلة الثانوية نتيجةً لتميزهم مجالات سبق لهم وأن تميزوا بها في دراستهم الأساسية.

فالذي يتميز في المواد العلمية يتم توجيهه الى تخصص علمي وبالتالي تكون جهوده للتميز قليلة ويحقق "أعلى النتائج بأقل التكاليف"، ونتيجة لهذه السياسة يتم تجميع أقوى الطلاب في كل التخصصات وتعليمهم وتدريسهم هذه التخصصات ما ينتج خريجين في غاية من الكفاءة قادرين على المنافسة بمستويات عالمية، وأيضاً قادرين على تحقيق الكفاءة الفني في تخصصاتهم وبالتالي ترتفع الكفاءة الاقتصادية في المجتمع ككل.

ممارسة الغش تهدم الأساس الذي على أساسه يتم تجميع قدرات المجتمع الاقتصادية في هذه التخصصات. ما يترتب غياب المعيار الذي يحدد قدرات الطلاب وبالتالي ينخرط الطلاب في مجالات لا يحسنونها ( كما يعانون بعد تخرجهم من اختيار تخصصاتهم الجامعية) ما ينتج خسارة اقتصادية للمجتمع تتمثل من خلال استثمارات التعليم الجامعي الذي غالبا ما ينتهي إما بفشل الطلاب الناجحين في المرحلة الأساسية عن طريق الغش أو بفشل مضاعف في حال وجود غش جامعي أيضاً ينُهي الحال بمتخصصين غير أكفاء في تخصصاتهم.

فيخلوا المجتمع من كفاءاته ما يضطر الدولة للاستعانة بمتخصصين في هذه المجالات من بلدان أخرى وغالباً ما تكون تكلفة ذلك مرتفعة على المجتمع وترتفع نسبة البطالة لأن "جزءً من المجتمع" ذلكم الطلاب فشلوا في حياتهم العملية ما يجعل الدولة تضطر للتدخل من أجل إيجاد حلول لهؤلاء، بسبب الغش الذي تسبب اخلال ميزان التقييم ما تسبب في قبول غيرهم وحرمانهم مما كانوا يقدرون عليه، فينتهي بهم الحال في المقابل الى عمل أشياء أخرى لا يقدرون عليها ما يقلل كفاءة المجتمع الفنية والاقتصادية.

2. انخفاض رفاهية أفراد المجتمع وسعادتهم
فعندما يكون نجاح الفرد ليس حقيقياً بل "بسبب الغش" هذا سيسبب له شعور بالضعف من الداخل وستكون ثقته بقدراته ضعيف "كيف لا ونجاحه حتى في المدرسة كان مزيفاً" وبالتالي لا يجد أصلا ما يمكن أن يعطيه من قدرات أو مهارات أو خبرات أو غير ذلك، ما يجعله في نهاية لمطاف غير سعيد وبالتالي يقلل من رفاهية أفراد المجتمع. إضافة إلى أن الفرد وإن وصل الى مراتب عليا وتحسن أداؤه واجتهد بعدها تظل ذكرى الغش في المدرسة تشعره بالحرج وعدم تقدير تصرفاته بل واحتقار ذاته وذلك من دون شك يقلل من سعادة المرء.

3. خسارة الدولة سمعتها الاقتصادية

أوضحت الدراسات الأمريكية، مرارا، أن أكثر من نصف طلاب الجامعة مارسوا الغش في بعض صوره أثناء سنوات دراساتهم الجامعية.

يحكى أن أحد الدكاترة المتخصصين في علم الديناميكا الهوائية كان يمارس مهنة التعليم في بلد اشتهر بالغش. وفي يوم من الأيام دعي هذا الدكتور للسفر في طائرة. وفور صعوده إلى الطائرة تم إبلاغه بأن من صنع الطائرة هو أحد تلاميذه! من أبلغه بالخبر كان يتوقع منه أن يفزع بسبب خوفه من اعتلاء طائرة صانعها نجح بالغش، ولكنه تفاجأ كثيراً من ردة فعل هذا الدكتور حين قال له، ما دام من صنع الطائرة هو تلميذ لدي فثق تماماً بأن الطائرة لن تقلع أصلاً!

تخيل معي إذا تم إبلاغك بأن الطبيب الذي ستذهب عنده لأمر طارئ كان نجاحه عن طريق الغش. هل ستقدم على زيارته؟ كذلك الحال يكون أعظم عندما يتعلق الأمر باشتهار دول بأكملها بالغش فإنها لا تكتفي أن تخسر كل ميزات التصنيع والإنتاج الذي يحظى بطلب السوق، بل تمتد آثارها ليوصم كل من يتنمى الى تلك البلدان بعدم الموثوقية حتى وان كان كفؤا. أخبرونا في التعليقات بتجاركم حول الغش وكيف يمكننا التغلب عليها ؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.