شعار قسم مدونات

ذكرى رحيل كلاي.. فرصة للنفاق

Former Olympic gold medallists Muhammad Ali, Carl Lewis and Mark Spitz leave the stage at the World Sports Awards in Vienna, Austria, November 19, 1999. REUTERS/Files
تذكرت فيلما أميركيا عن الحارات السوداء في أميركا لا أذكر اسمه، وأنا أشاهد تقارير في قنوات أميركية وأوروبية وعربية.. عن وفاة الملاكم الأميركي محمد علي كلاي -رحمه الله- عبر قناة فرانس فان كاتخ.. تحدث المراسل عن كلاي وقال إنه كان قريباً بحكم إسلامه من قضايا (العرب الأميركان) عفواً أقصد المسلمين في أميركا! "هكذا عدل المراسل خطابه".
 
بينما كانت صحف العالم وقنواته تتغنى بأمجاد كلاي، كل جهة إعلامية حسب توجهها.. نعى العرب بطلاً مسلماً، ومدح الأميركان مواطنا أميركياً عظيما، وتأسف الأوروبيون على رحيل رجل ناجح، بينما انقبض قلب الزنوج على رحيل أحد الناجحين القلائل من بشرتهم.

في الفيلم فتاة بيضاء أحبت زنجياً لا يتعاطى المخدرات ولم يلعب بالسلاح ولم يلتفت لأقرانه الذين كانوا يلقبونه بـ"امرأة" رغم أنه كان يوسعهم ضرباً كلما اعترضوا طريقه.. كان رياضيا ناجحاً يشق طريقه في الماراثونات بنجاح. تذكرت في إحدي لقطات الفيلم الذي شاهدته قبل سبع سنوات أن فتاة سوداء لاقت الحبيبة البيضاء في مشفى صغير، وكانت حبيبة الزنجي حامل.. قالت لها:

– ما إن ينجح رجل أسود إلا وسرقتموه منا، اتركوا لنا أولادنا الناجحين على قلتهم.. ربما نخرج بسلالة ناجحة.. كفوا عن سرقتهم!".
– العالم سيظل يسرق السود.. لن يكفو عن ذلك يا عزيزتي.

كل الذين يكتبون بعد أسبوعين، في ذكرى رحيله، إن محمد علي كلاي حارب العنصرية، محمد علي حاربكم، كلكم عنصريون ومتعفنون، لا تستغلوا موته لتصالحوا ضميركم!

سيحيون بلال ويعتبرونه منهم وفيهم وسيرفضون أي بلال آخر، سيحبون كلاي ومانديلا ومالكوم إكس ومارتن لوثر، وتوباك، وبيليه، وسيرفضون كل البقية..

– العالم لن يتغير يا عزيزتي! لن يتغير من أجل زنجية حمقاء متعرقة مثلك، ولن يسرقك معهم، أنتِ لستِ بيونسيه!

فيما مضى كنت أتساءل، لماذا خلق الله بعض الناس سوداً، أو بمعنى أصح لماذا قد يعتقد الناس أن اللون الأسود ليس جميلاً في البشر، ربما لم يكن هذا اعتراض بقدر ما كان تساؤلا، كيف أمكن لفكرة كهذه أن يتوارثها البشر جيلاً بعد جيل لتصبح شيئاً شبه مسلم به، لا بد أن هنالك شخصا ما هو أول من اعتقد ذلك، أي كان ذلك الشخص، لماذا سيطرت فكرته تلك على الناس، لماذا لا نكون مثلاً عندما نصف فتاة ما نقول "إنها جميلة لدرجة أنك لن تشاهدها ليلا إلا إذا ابتسمت". 

لماذا نعتقد أن الأعمى يرى سواداً.. بعض الناس أثاروا فكرة مغايرة تماماً مثلما فعل "خوسية سارامجو" فقد أعطى تصوراً مختلفاً لما قد يراه الأعمى، وربما أشخاص آخرون سيعطون تصوراً مختلفاً لتساؤلاتي، ما الشيء الذي يجعل شخصاً ما تظهر عروقه الملونة الخضراء وتشوه لونه، ما الشيء الذي يجعله جميلاً بربكم؟!

قادتني قدماي الهزيلة بعد سنوات من الصراع، إلى بلاد وجدت فيها فتيات من ذلك النوع الذي لدينا، فتيات لا يجدن حاجة إلى تغيير ألوانهن ولا يصبغن وجوههن، فتيات يعتقدن أن لونهن هذا جميل ومبهر وساحر.. لا تؤثر عليهم كثرة الملابس التي يلبسنها في الشتاء، فهم عندما يذهبن للمصيف لا تبدو أجسادهن ملونة، لا تغيرها الملابس الشتوية ولا الصيفية، ولا تبدو وجوههن وأذرعهن أكثر قتامة من أجسادهن، فهن سوداوات وجميلات بالكامل!

وأخيراً، كل الذين يكتبون بعد أسبوعين، في ذكرى رحيله، إن محمد علي كلاي حارب العنصرية، محمد علي حاربكم، كلكم عنصريون ومتعفنون، لا تستغلوا موته لتصالحوا ضميركم!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.